أصبحت الشفافية مفهوماً رئيساً يرتبط بشروط النظام الديمقراطي، وتحولت إلى ثابت رئيس من ثوابت الحوارات والمقالات التي تعالج المسألة السياسية.. كالمطالبة باقتصاد شفاف وبإعلام شفاف.. وبسياسات شفافة وبتنمية شفافة وتأسيساً على أهمية الشفافية كمعيار للديمقراطية والتقدم، وكأساس للحكم الرشيد أصبح للدول ترتيب في سلم الشفافية الذي يرتبط بالعديد من المفاهيم الأخرى ذات الصلة، مثل المكاشفة والمحاسبة والمساءلة والحوكمة والإعلام الحر.. وغير ذلك من العناصر اللازمة.
والحقيقة أن الشفافية قبل أن تكون حالة اقتصادية أو سياسية أو إدارية؛ فهي حالة ثقافة وقيم وتقاليد اجتماعية فهل نحن مجتمعات شفافة؟ وهل نتعامل بشفافية مع أنفسنا ومع أسرنا ومع محيطنا الاجتماعي والوظيفي ومن ثمة مع الدولة؟ فمن يستطيع أن يعطي جواباً بالإيجاب يعرف معنى الشفافية وهو من يستطيع أن يقدر أبعادها ويمارسها في أي موقع كان. فكيف نطلب من إنسان لا يصدق في حياته الشخصية ومع أقرب الناس إليه أن يكون مسؤولاً صادقاً تجاه مسؤوليته وتجاه وظيفته وتجاه التزاماته الوطنية، وإذا كان غير واضح في طروحاته فكيف نطلب منه أن يكون شفافاً عندما يتولى منصباً ما.
صحيح أن الشفافية أمر حيوي وأساسي لأي مجتمع ديمقراطي، إلا أنه يجب أن نفهمها على أنها تقاسم للمعلومات والتصرف بطريقة مكشوفة وواضحة تماماً دون إخفاء الحقائق، فهي تتيح للمجتمع ومؤسساته الدستورية والمدنية الأهلية والإعلام الحصول على المعلومات العامة والمهمة حول أي موضوع حيوي يهم المصلحة العامة، وقد يكون لهذه المعلومات دور حاسم في الكشف عن المساوئ والأخطاء والمساعدة على معالجتها على نحو صحيح وواضح بعيداً عن الشائعات، لذلك تمتلك الأنظمة ذات الشفافية إجراءات واضحة لكيفية صنع القرار على الصعيد العام، كما تمتلك قنوات اتصال مفتوحة بين أصحاب مؤسسات المجتمع المدني والمسؤولين، وتضع سلسلة واسعة من المعلومات في متناول يد الجمهور.
لذلك وإذا أردنا أن نعالج مشكلة ما فيجب أن نتناولها من بدايتها وليس من نهايتها، وأن نعالج السبب قبل النتائج، وهذا يحتاج إلى مواجهة جريئة مع أنفسنا ومع مجتمعنا، وهي مواجهة حوارية نتحدث فيها بصراحة عن نقاط ضعفنا وعن بعض العادات والتقاليد والمفاهيم التي أضحت عائقاً حقيقياً في طريق أي تقدم، فالمجتمع هو الطريق الذي يسير عليه التطوير في حقوله العديدة، وكمثال على الشفافية المتكاملة في مجتمع شفاف وواضح يمكن أن نذكر الدول الإسكندنافية التي تتمتع بأفضل سجل في محاربة مختلف أنواع الفساد في المعاملات الرسمية، حيث يتقلص وجود الرشاوى ومحاولات إغراء أصحاب القرار للحصول على فوائد تجارية أو شخصية، ولا غرابة أن تحل فنلندا في المرتبة الأُولى عالمياً في محاربة الفساد في المعاملات الرسمية وحصول كل من الدنمارك والسويد والنرويج على الترتيب الثالث والسادس والثامن على التوالي على مستوى دول العالم، كما تحقق الدول الأوروبية الأخرى مثل آيسلندا وهولندا وسويسرا المراتب العشر الأُولى في العالم في عدم تقبل الفساد في المعاملات الرسمية.
ومما يؤكد أهمية الشفافية في البحرين وجود جمعية للشفافية -بغض النظر عن التجاذبات السياسية التي قد تنال من مصداقية عملها- تتابع الأحداث وترصد وتقيم جهود وتصرفات المؤسسات الرسمية، من حيث مدى تطبيقها لعنصر الشفافية، وسوف يظل وجودها من حيث المبدأ مهماً للجميع، في سياق الحق في المساءلة، وهي مقوم أساسي من مقومات الحكم الرشيد الذي يشكل شرطاً مسبقاً من شروط تحقيق التنمية البشرية، والتي تمثل بدورها الهم الرئيس لنا جميعاً في مملكة البحرين، فالشفافية والمساءلة مفهومان مترابطان يعزز كل منهما الآخر، ففي غياب الشفافية لا يمكن وجود المساءلة، وما لم يكن هناك مساءلة فلن يكون للشفافية أية قيمة، ويسهم وجود هاتين الحالتين معاً في قيام إدارة فعالة وكفؤة ومنصفة على صعيد المؤسسات العامة والخاصة.
أعتقد أننا في مملكة البحرين، وبفضل المشروع الإصلاحي، نسير على هذا الطريق بشكل مبدئي على الأقل، فهنالك رغبة معلنة والتزام معلن وهنالك مجلس للنواب ومجلس للشورى، وهنالك صحافة حرة ومؤسسات للمجتمع المدني وديوان للرقابة الإدارية والمالية، وجميعها تمارس دورها في المساءلة والرقابة وتحقيق قدر من الشفافية ولكن هل هو كافٍ إلى الدرجة التي تجعل المجتمع مطمئناً تمام الاطمئنان؟
.. وللحديث صلة
{{ article.article_title }}
{{ article.formatted_date }}