بينا في المقالين السابقين أهم المراحل التي تحتاجها صناعة المحتوى العربية، التي ستجد نفسها متى ما أتمت تلك المراحل بنجاح أمام مجموعة من الفرص السانحة من بين الأهم فيها:
1. الموارد البشرية المؤهلة؛ فرغم كل ما يقال عن منتجات التعليم العربية، لكنها في نهاية الأمر كانت قادرة وماتزال على تزويد السوق بالمهارات البشرية المبدعة والمنفذة، في آن، لإنتاج منتجات وخدمات تحتاجها سوق المعلومات والاتصالات العربية والدولية، بما فيها تلك المرتبطة مباشرة بالمحتوى العربي. ولعل النجاحات الدولية التي حققها المنتج الإلكتروني البحريني «النافذة» في منتصف الثمانينات أحد الدلائل على ذلك.
ينضم إلى «النافذة» بوابة «مكتوب» العربية التي اشترتها شركة «ياهو» قبل سنوات بعشرات الملايين من الدولارات. ولا شك أن هناك العديد من المشروعات الأخرى التي لم تستطع رغم جودتها من الوصول إلى السوق العالمية، وماتزال تنتظر تلك اليد التي تمتد لها كي تصقلها وتضفي عليها المواصفات التي تؤهلها للتحول إلى منتج أو خدمة عالمية في سوق المحتوى الدولية المتعطشة لمثل ذلك المحتوى الإلكتروني العربي.
2. الرساميل التمويلية؛ الحديث لا ينبغي أن يقتصر هنا على الدول الخليجية فحسب، كما قد يتبادر إلى أذهان بعض العرب منا، فهناك إلى جانب تلك الدول فوائض الأموال العربية النفطية في دول مثل الجزائر وليبيا والعراق، بل حتى دول عربية أخرى مثل مصر التي لديها بعض الرأسماليين الأفراد ممن يحتلون مواقع بين الخمسة والعشرين الأول في لائحة الأثرياء العالمية التي تنشرها مؤسسة «فوربس» سنوياً. وقد ولج البعض من أولئك الأثرياء العرب من أمثال حاكم دبي محمد بن راشد وعائلة سويرس المصرية وملاك شركة «زين» للاتصالات هذه السوق، ونجحت في تمويل مشاريع ناجحة بمعايير دولية ذات علاقة بالمحتوى العربي سوية مع شركات أخرى تملك الدولة نسبة كبيرة من حصصها، وبحوزتها سيولة مالية كبيرة بفضل الأرباح التي تحققها، من أمثال «كيوتل» القطرية و»فيفا» السعودية التي تركت بصماتها الواضحة على الأسواق العالمية والإقليمية التي تقدم خدماتها في الأسواق التي دخلتها في السنوات العشر الأخيرة.
3. المواد الخام؛ حيث تكتظ السوق العربية بمواد خام المحتوى العربي التي هي بحاجة إلى آليات الجمع المناسبة، وحاضنات التخزين الملائمة، وأدوات المعالجة المتطورة، وقنوات البث الكفؤة، وأدوات القيمة المضافة المبدعة. ومتى ما توفر لها كل ذلك، وهو أمر مهما بلغت صعوبته، لكن تحقيقه ليس مستحيلاً، يمكن تحويل تلك المواد الخام إلى سلعة أو خدمة ترتكز على المحتوى العربي أساساً وقادرة على خلق وتنمية سوقها المحلية، قبل الانتقال إلى تلك العالمية المفتوحة أمامها أيضاً.
4. السوق المحلية؛ فعندما نزاوج بين الكتلة البشرية العربية التي تصل إلى ما يزيد على أربع مائة مليون إنسان، نسبة عالية منها تنتمي إلى الفئة الشابة واليافعة، وهي الأكثر إنفاقاً في سوق المحتوى العالمية، وبين القدرة المالية العربية التي تجاوزت سيولة فوائضها النفطية وصناديق استثماراتها السيادية مئات المليارات من الدولارات، تتكون لدينا، وهو القائم حالياً، خميرة السوق المحلية الواعدة والقادرة على اقتناء المحتوى الإلكتروني الذي يخاطب احتياجاتها المهنية والشرائية ويلبي رغباتها الترفيهية.
الحديث هنا عن سوق عربية مفتوحة، الأمر الذي يتطلب تمتع المحتوى العربي المعروض في السوق بالمواصفات العالمية، الممزوجة بنكهة محلية، تمكنه من الوقوف في تلك السوق ومنافسة البضائع العالمية التي تستوردها.
أمام تلك الفرص الواعدة، تنتصب مجموعة أخرى من التحديات المطالبة صناعة المحتوى العربية، أن تقف أمامها بحكمة وشجاعة من أجل تجاوزها. من بين الأهم في قائمة تلك التحديات:
1. غياب التشريعات والقوانين المناسبة التي باتت صناعة المحتوى العربي في أمس الحاجة لها، فغيابها يمكن لأن يخنق تلك الصناعة العربية الفتية. ليس المقصود بتلك التشريعات تلك المضادة لتلك الصناعة، والتي تحصر نفسها في الإطار الرقابي الأمني، فنجد همها الأساسي مطاردة المواقع والمدونات العربية، وهي من أهم مقومات صناعة المحتوى الإلكتروني، من أجل إغلاقها أو حجب وصول الزائر لها، وإنما تلك التشريعات والقوانين التي تنظم تلك الصناعة، وتهيئ أسواقها من النواحي التشريعية والقانونية. نأمل أن لا تقود دعوة وقف مطاردة تلك المواقع والمدونات والتغريدات، إلى استنتاج أنها دعوة للفوضى وترك الأمور على عواهنها، لكن الحديث هنا عن تقنين تلك القوانين كي تصبح عامل بناء، لا حائط عزل، ولا معاول هدم. فليس هناك من يقف ضد حماية مجتمع المبحرين على الإنترنت، وسلامة رحلاتهم عند زيارة مواقعها.
2. توفير الحماية المتكاملة، وهي حماية ذات شقين، الأول عام وشامل، ويمس حماية الملكية الفكرية للجهات، أفراداً كانوا أم مؤسسات، الذين هم في أمس الحاجة إلى جهة متخصصة تتولى حماية ممتلكاتهم الفكرية الخاصة بصناعة المحتوى العربي. ولا تخرج أسباب الحرب التنافسية التي دارت رحاها بين شركتي «أبل» الأمريكية و»سامسونغ» الكورية الجنوبية، عن دائرة الحماية التي نتحدث عنها، والتي كلفت هذه الأخيرة مليارات الدولارات، سواء تلك التي غرمتها، أو التي دفعتها لمن أوكلت لهم مهمة الدفاع عن مواقفها. الشق الثاني من الحماية هي تلك التي تحتاجها هذه الصناعة العربية الفتية من الدولة التي تنتمي لها، كي توفر لها شكلاً من أشكال الحماية الجمركية، التي تمكنها من الوقوف، وخاصة في المراحل المبكرة الأولى من حياتها، في وجه المنافسة العالمية الشرسة التي تواجهها. مرة أخرى ليس المطلوب هنا حجر العالمي، وإنما تشجيع المحلي، وإعطائه بعض الأولويات المباحة دولياً في المعاملة.
3. التقيد بمقاييس الإبداع والجودة، فالمحتوى العربي سيجد نفسه أمام أغوال صناعة المحتوى العالمية المتوثبة نحو السوق العربية، الأمر الذي يتطلب من من سيلج سوق المحتوى الإلكتروني العربية أن يتمتع بمواصفات تنافسية معينة، تقف القدرة على الخلق والإبداع، والتمسك بمقاييس الجودة بشكل مستمر، في المقدمة منها. ولا يقتصر الأمر هنا على الجوانب الإنتاجية، رغم أهميتها القصوى، بل يتجاوزها كي يصل إلى تلك الخطط الترويجية والبرامج التسويقية، إن كان يراد للمحتوى العربي أن يتحول إلى بضاعة دولية تخاطب الأسواق العالمية.
من الطبيعي أن تغري الفرص التي أوردناها أعلاه الكثير من المستثمرين العرب الباحثين عن فرص واعدة يركزون جهودهم عليها، وفي المقابل، تبرز تلك التحديات كجدران عالية يمكن أن تشيع روح اليأس والتشاؤم في نفوس من يستمعون لها. من هنا فعلى من يريد أن يحقق النجاح المستمر، أن يتمتع بتلك الذهنية المبدعة القادرة على المزج الخلاق بين الاستفادة القصوى من تلك الفرص، والتعامل الواعي مع تلك التحديات. حينها فقط بوسعنا الحديث عن صناعة عربية للمحتوى الإلكتروني، قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلية، والوقوف في وجه تحديات الصناعة العالمية في المجال ذاته.
1. الموارد البشرية المؤهلة؛ فرغم كل ما يقال عن منتجات التعليم العربية، لكنها في نهاية الأمر كانت قادرة وماتزال على تزويد السوق بالمهارات البشرية المبدعة والمنفذة، في آن، لإنتاج منتجات وخدمات تحتاجها سوق المعلومات والاتصالات العربية والدولية، بما فيها تلك المرتبطة مباشرة بالمحتوى العربي. ولعل النجاحات الدولية التي حققها المنتج الإلكتروني البحريني «النافذة» في منتصف الثمانينات أحد الدلائل على ذلك.
ينضم إلى «النافذة» بوابة «مكتوب» العربية التي اشترتها شركة «ياهو» قبل سنوات بعشرات الملايين من الدولارات. ولا شك أن هناك العديد من المشروعات الأخرى التي لم تستطع رغم جودتها من الوصول إلى السوق العالمية، وماتزال تنتظر تلك اليد التي تمتد لها كي تصقلها وتضفي عليها المواصفات التي تؤهلها للتحول إلى منتج أو خدمة عالمية في سوق المحتوى الدولية المتعطشة لمثل ذلك المحتوى الإلكتروني العربي.
2. الرساميل التمويلية؛ الحديث لا ينبغي أن يقتصر هنا على الدول الخليجية فحسب، كما قد يتبادر إلى أذهان بعض العرب منا، فهناك إلى جانب تلك الدول فوائض الأموال العربية النفطية في دول مثل الجزائر وليبيا والعراق، بل حتى دول عربية أخرى مثل مصر التي لديها بعض الرأسماليين الأفراد ممن يحتلون مواقع بين الخمسة والعشرين الأول في لائحة الأثرياء العالمية التي تنشرها مؤسسة «فوربس» سنوياً. وقد ولج البعض من أولئك الأثرياء العرب من أمثال حاكم دبي محمد بن راشد وعائلة سويرس المصرية وملاك شركة «زين» للاتصالات هذه السوق، ونجحت في تمويل مشاريع ناجحة بمعايير دولية ذات علاقة بالمحتوى العربي سوية مع شركات أخرى تملك الدولة نسبة كبيرة من حصصها، وبحوزتها سيولة مالية كبيرة بفضل الأرباح التي تحققها، من أمثال «كيوتل» القطرية و»فيفا» السعودية التي تركت بصماتها الواضحة على الأسواق العالمية والإقليمية التي تقدم خدماتها في الأسواق التي دخلتها في السنوات العشر الأخيرة.
3. المواد الخام؛ حيث تكتظ السوق العربية بمواد خام المحتوى العربي التي هي بحاجة إلى آليات الجمع المناسبة، وحاضنات التخزين الملائمة، وأدوات المعالجة المتطورة، وقنوات البث الكفؤة، وأدوات القيمة المضافة المبدعة. ومتى ما توفر لها كل ذلك، وهو أمر مهما بلغت صعوبته، لكن تحقيقه ليس مستحيلاً، يمكن تحويل تلك المواد الخام إلى سلعة أو خدمة ترتكز على المحتوى العربي أساساً وقادرة على خلق وتنمية سوقها المحلية، قبل الانتقال إلى تلك العالمية المفتوحة أمامها أيضاً.
4. السوق المحلية؛ فعندما نزاوج بين الكتلة البشرية العربية التي تصل إلى ما يزيد على أربع مائة مليون إنسان، نسبة عالية منها تنتمي إلى الفئة الشابة واليافعة، وهي الأكثر إنفاقاً في سوق المحتوى العالمية، وبين القدرة المالية العربية التي تجاوزت سيولة فوائضها النفطية وصناديق استثماراتها السيادية مئات المليارات من الدولارات، تتكون لدينا، وهو القائم حالياً، خميرة السوق المحلية الواعدة والقادرة على اقتناء المحتوى الإلكتروني الذي يخاطب احتياجاتها المهنية والشرائية ويلبي رغباتها الترفيهية.
الحديث هنا عن سوق عربية مفتوحة، الأمر الذي يتطلب تمتع المحتوى العربي المعروض في السوق بالمواصفات العالمية، الممزوجة بنكهة محلية، تمكنه من الوقوف في تلك السوق ومنافسة البضائع العالمية التي تستوردها.
أمام تلك الفرص الواعدة، تنتصب مجموعة أخرى من التحديات المطالبة صناعة المحتوى العربية، أن تقف أمامها بحكمة وشجاعة من أجل تجاوزها. من بين الأهم في قائمة تلك التحديات:
1. غياب التشريعات والقوانين المناسبة التي باتت صناعة المحتوى العربي في أمس الحاجة لها، فغيابها يمكن لأن يخنق تلك الصناعة العربية الفتية. ليس المقصود بتلك التشريعات تلك المضادة لتلك الصناعة، والتي تحصر نفسها في الإطار الرقابي الأمني، فنجد همها الأساسي مطاردة المواقع والمدونات العربية، وهي من أهم مقومات صناعة المحتوى الإلكتروني، من أجل إغلاقها أو حجب وصول الزائر لها، وإنما تلك التشريعات والقوانين التي تنظم تلك الصناعة، وتهيئ أسواقها من النواحي التشريعية والقانونية. نأمل أن لا تقود دعوة وقف مطاردة تلك المواقع والمدونات والتغريدات، إلى استنتاج أنها دعوة للفوضى وترك الأمور على عواهنها، لكن الحديث هنا عن تقنين تلك القوانين كي تصبح عامل بناء، لا حائط عزل، ولا معاول هدم. فليس هناك من يقف ضد حماية مجتمع المبحرين على الإنترنت، وسلامة رحلاتهم عند زيارة مواقعها.
2. توفير الحماية المتكاملة، وهي حماية ذات شقين، الأول عام وشامل، ويمس حماية الملكية الفكرية للجهات، أفراداً كانوا أم مؤسسات، الذين هم في أمس الحاجة إلى جهة متخصصة تتولى حماية ممتلكاتهم الفكرية الخاصة بصناعة المحتوى العربي. ولا تخرج أسباب الحرب التنافسية التي دارت رحاها بين شركتي «أبل» الأمريكية و»سامسونغ» الكورية الجنوبية، عن دائرة الحماية التي نتحدث عنها، والتي كلفت هذه الأخيرة مليارات الدولارات، سواء تلك التي غرمتها، أو التي دفعتها لمن أوكلت لهم مهمة الدفاع عن مواقفها. الشق الثاني من الحماية هي تلك التي تحتاجها هذه الصناعة العربية الفتية من الدولة التي تنتمي لها، كي توفر لها شكلاً من أشكال الحماية الجمركية، التي تمكنها من الوقوف، وخاصة في المراحل المبكرة الأولى من حياتها، في وجه المنافسة العالمية الشرسة التي تواجهها. مرة أخرى ليس المطلوب هنا حجر العالمي، وإنما تشجيع المحلي، وإعطائه بعض الأولويات المباحة دولياً في المعاملة.
3. التقيد بمقاييس الإبداع والجودة، فالمحتوى العربي سيجد نفسه أمام أغوال صناعة المحتوى العالمية المتوثبة نحو السوق العربية، الأمر الذي يتطلب من من سيلج سوق المحتوى الإلكتروني العربية أن يتمتع بمواصفات تنافسية معينة، تقف القدرة على الخلق والإبداع، والتمسك بمقاييس الجودة بشكل مستمر، في المقدمة منها. ولا يقتصر الأمر هنا على الجوانب الإنتاجية، رغم أهميتها القصوى، بل يتجاوزها كي يصل إلى تلك الخطط الترويجية والبرامج التسويقية، إن كان يراد للمحتوى العربي أن يتحول إلى بضاعة دولية تخاطب الأسواق العالمية.
من الطبيعي أن تغري الفرص التي أوردناها أعلاه الكثير من المستثمرين العرب الباحثين عن فرص واعدة يركزون جهودهم عليها، وفي المقابل، تبرز تلك التحديات كجدران عالية يمكن أن تشيع روح اليأس والتشاؤم في نفوس من يستمعون لها. من هنا فعلى من يريد أن يحقق النجاح المستمر، أن يتمتع بتلك الذهنية المبدعة القادرة على المزج الخلاق بين الاستفادة القصوى من تلك الفرص، والتعامل الواعي مع تلك التحديات. حينها فقط بوسعنا الحديث عن صناعة عربية للمحتوى الإلكتروني، قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلية، والوقوف في وجه تحديات الصناعة العالمية في المجال ذاته.