حين نتحدث عن الطائفية فإننا نتحدث عن أزمة واقعية طفت على السطح، ليس في البحرين فقط بل في كل الوطن العربي، وما ساهم في انتشار هذه الظاهرة الخطيرة هي مجموعة من العوامل، لعل من أبرزها؛ وجود مجموعة من المنتفعين يقفون وراء تأجيج الروح الطائفية البغيضة، إضافة إلى وجود من يستفيد من استمرار هذا النهج الهابط في التعامل مع المجتمعات المطالبة بالديمقراطية، كما إن للدول الغربية وعلى رأسهم أمريكا دوراً بارزاً في إثارة وإحياء الصراعات الطائفية، وذلك لشغل العرب والمسلمين ببعضهم البعض من أجل تأمين مصالهم الكبرى.
لعل من أهم العوامل التي ساهمت في تأجيج روح الكراهية بين أبناء العرب والمسلمين هي ثورة الاتصالات الحديثة واستغلالها السيئ من قبل بعض الأيادي الخفية لزرع روح الفتن والطائفية والكراهية، سواء من خلال القنوات الفضائية أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة الأخرى.
حين نتحدث عن وسائل الاتصال الحديثة فإننا نتحدث عن شباب يافع يستخدمها، ومن المعروف أن شريحة الشباب هي من الفئة المندفعة التي تمارس كثير من السلوكيات غير المتزنة أحياناً، ولعل محرضاً طائفياً واحداً يكفي لإلهاء هذه الشريحة بأسرها عن مستقبلها العلمي والعملي.
بعيداً عن ممولي الطائفية وعرّابيها، فإن الخطورة فيها تكمن أن من يدخل في صراعاتها الحساسة هم فئة الشباب، وعادة ما تكون هذه الفئة من أكثر الفئات حماسة، لهذا فهي تستخدم العاطفية أكثر مما تستخدم العقل وذلك لطبيعة هذا العمر، إضافة لقلة الخبرة والتجارب.
لا يعني هذا القول أن من يمارس ويدفع بروح الطائفية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية هم فئة الشباب، كلا؛ بل هناك بعض المهووسين الكبار من المنتفعين منها لهم من التصرفات الرخيصة ما يمكن أن يحرق وطناً بأكمله، كذلك ينسجم هذا القول والفعل مع وجود بعض الأنظمة السياسية التي تدفع بهذا الاتجاه المدمر، لكننا هنا نتحدث عن الشباب المتعلم الذي لا يمكن لنا القبول إطلاقاً من أن يفتح معارك طائفية لن يجني منها سوى ضياع مستقبله.
في البحرين؛ ومن خلال احتكاكي الشخصي بكل فئات المجتمع آمنت أن كبار السن من البحرينيين هم من أفضل الشرائح العمرية التي لم تتأثر بالطائفية، بل أن كثيراً منهم لم تنطلِ عليهم كل السموم التي تنفثها وسائل الإعلام اليوم، لأنهم آمنوا من خلال التجربة أن الطائفية لا تنتج مجتمعاً سوياً ولا تنتج دولة قوية، كما إن كبار السن عادة ما يفكرون بعقولهم وليس بغرائزهم وميولاتهم السياسية والدينية كما هو حال الشباب.
إن الفتن الطائفية التي ينتجها المجتمع في البحرين تصدر من الشباب الذي يجلس خلف مُقْوَد الأجهزة الذكية، والذي ينهل منها كل ما هو سيئ مع الأسف الشديد، بل إنني على يقين أنك حين تجد بحرينياً كبيراً في السن مشحوناً بلوثات الطائفية فتيقن أن من يقف خلفه هم بعض من الشباب الطائفي، وذلك من خلال محاولة إفساد ذاكرته الجمعية ووعيه الفطري والوطني بما تتناقله تلك الأجهزة من تكسير لقيم ومفاهيم المجتمعات الراقية، أو عبر قنوات فضائية ليس لها من شغل سوى تخريب عقول المجتمع.
سيظل كبير السن في البحرين متمسكاً بوطنيته أكثر من طائفته، لأن التاريخ يقول إن البحرينيين جربوا كل شيء في السابق، فلم يكن هنالك أفضل من المحبة والتعايش والتسامح والسلم الأهلي والمجتمعي، أما بقية الأشياء الكريهة فإنها سوف تُكنس كنساً، سواء كانت قيماً سلبية أو حتى أشخاص.