الآن، تمام الساعة الثانية عشرة من مساء يوم الثلاثاء، للتو عدّتُ من إحدى المؤسسات الحكومية، كنتُ هناك من أجل تخليص معاملة رسمية، لكنني لم أنجزها، طبعاً سأخبركم عن السبب، وبالتفصيل المفيد إن شاء الله. دخلتُ عند الساعة العاشرة وخمس دقائق صباحاً، إلى بهو المؤسسة الحكومية، فوجدتُ قاعاتها مكتظة بالجمهور عن بَكرة أبيها، هذا ونحن في زمن الحكومة الإلكترونية. حين سألت موظفة الاستقبال عن القسم الذي أحتاج فيه تخليص معاملتي عندهم، أرشدتني إليه مشكورة. حجزتُ لي تذكرة انتظار “حالي حال كل المنتظرين”، وكان رقم تذكرتي “2143” بينما الرقم الذي حين دخلت القاعة كان واضحاً في الشاشة وهو “2103”. انتظرت لمدة ساعة ونصف الساعة، فلم ينجز الموظفون هناك، سوى 20 معاملة فقط، فقلت في نفسي، بهذه الحسبة، سوف أُكمل معاملتي عند حدود الساعة الواحدة والنصف مساء، وهذا وقت يعتبر عملاقاً ونحن في القرن الحادي والعشرين، فأعطيت تذكرتي من كان يجلس بجانبي، ثم أخذتُ نفسي وهربتُ. سأقول لكم ما هي المشاهدات التي لفتت انتباهي في تلك المؤسسة التي نتمنى من الله تعالى أن يستر عليها، كما يستر سبحانه وتعالى على عباده العاصين. بداية سألتُ موظفة الاستقبال، سؤالاً عابراً ومهماً، خصوصاً حين شعرتُ بأني سأمكث طويلاً، فقلت لها، هل هذه الأوراق التي بحوزتي، هي ذاتها الأوراق والمستندات الثبوتية التي تحتاجونها؟ فقالت لي خذ رقماً، فقلت لها أخذت رقماً، ولكن حتى لا أنتظر طويلاً ومن ثم أتفاجأ بأن أوراقي غير مكتملة، فأخبرتني أنها لا تستطيع مساعدتي.. يا للهول!!. من أهم الملاحظات التي أثارت انتباهي في تلك المؤسسة أن “الكونتر” يتكون من نحو عشرة مكاتب لعشرة موظفين، لكن الذين يعملون ويستلمون طلبات المراجعين عملياً، اثنان فقط، أما البقية فإنهم متوارون عن الأنظار، وبعضهم يجلس على كرسي مكتبه، لكنه “يدردش” مع زميله أو يشرب القهوة، تاركين خلفهم عشرات المراجعين، والبعض منهم في المكاتب الخلفية يشربون الشاي ويتناولون أعذب الحديث. أيضاً، أولئك الموظفون لا يبتسمون مع المراجعين، وأحياناً يتحدثون معهم بجفاف غريب، ليس لسوء أخلاقهم طبعاً، ولكن إما بسبب الضغط الهائل الذي يواجهونه، أو بسبب أنهم لم يحصلوا على نصيبهم من الدورات المتخصصة في التعامل الأمثل مع الزبائن. ليس هكذا تتطور المؤسسات الحكومية، وبالتالي ليس هكذا يتطور الوطن، فنحن دخلنا في القرن الجديد جداً، ومازالت لغة الأرقام والتذاكر والمقاعد والساعات المهدورة والانتظار الممل وخمول وكسل الموظفين، عناوين واضحة في غالبية مؤسساتنا الحكومية. رغم دفع الدولة مؤسساتها للعمل وفق النظريات الحديثة للإدارة وعوالم ومعالم التطوير، ورغم إلزام الدولة، المؤسسات الحكومية بالعمل وفق منهج ونظام الحكومة الإلكترونية، إلا أن معظمها لا يلتزم بهذه القواعد الأساسية للنهج الإلكتروني، أو أنهم يلتزمون بأدنى مستوياتها. نحن نحب البحرين، ونحب الناس، ونحترم كل المقيمين، ولذا يغيظنا، هذا “السستم” البطيء في التعامل مع كل أولئك الذين يريدون إنجاز معاملاتهم بسرعة كما هي سرعة الزمن. المطلوب، هو أن تكون هناك رقابة شديدة من قبل الدولة، على الأداء الحكومي، وعلى أداء الموظفين والمسؤولين، فالموظف المهمل والكسول، يقف خلفه مسؤول مثله، فرأفة بالبلاد والعباد يا من تستلمون أجوراً مجزية، جراء عمل لم تنجزوه بعد.