كان من دواعي سروري حقيقة متابعة تركيز صحيفة الوفاق اليومية على مدى أكثر من ثلاثة أيام انتقادها لتقرير جمعية تجمع الوحدة الوطنية، فهذا مؤشر إيجابي حقاً، وقد استمتعت كثيراً لا بمضمون الانتقاد إنما بدرجة القلق الواضح لدى القائمين على الصحيفة من الجمعية بحد ذاتها بغض النظر عن مضمون المقالات، وبعيداً عن اتفاقي أو اختلافي مع ما جاء في التقرير.
إذ منذ بداية المشروع الإصلاحي، أي منذ أكثر من اثني عشر عاماً وإلى اليوم، تأسس في البحرين ما يقارب 26 حزباً سياسياً، وأولهم حزب أو جمعية الوفاق، لكنها المرة الأولى التي تتكبد الوفاق عبر كتابها بالاهتمام أو التعليق على تقرير إحدى الجمعيات!!
كل الجمعيات تصدر تقاريرها السنوية، بما فيها جمعيتا المنبر والأصالة، اللتان كانتا منافستين للوفاق -على الأقل نيابياً- وتزامن تأسيسهما مع تأسيس الوفاق أي منذ بداية المشروع الإصلاحي، لكننا لم نشهد أي اهتمام بالمهاجمة المباشرة لهما رغم أن الجمعيتين، خصوصاً الأصالة، قد اتخذتا موقفاً متشدداً من الوفاق وأتباعها منذ بداية الأزمة، لكننا لم نر أتباع الوفاق يخصصون مقالات يومية للتهجم عليهما؟
ربما هي المرة الأولى التي تهتم الوفاق بتقرير جمعية سياسية، فهل بدأت الوفاق تشعر بالقلق؟
فأن يخصص اثنان من أتباع الوفاق مقالاتهما اليومية لمهاجمة الجمعية الجديدة فذلك سلوك فضح مخاوف الوفاق بشكل سافر، رغم أن الجمعية المقلقة جمعية وليدة وحديثة، وهي جمعية تتعرض لعثرات كثيرة، ورغم أن تجربة العديد من أعضائها تجربة محدودة، فما المخيف الذي حرك الوفاق وجعلها تخرج عن نهجها الذي اختطته لأكثر من عشر سنوات وذلك بالابتعاد عن مهاجمة الأحزاب الأخرى؟
ما المخيف إذاً؟ ما المقلق خصوصاً وأنه قد فات أوان إنكار هذا القلق فقد فضحهم سلوكهم؟
في تصوري أن كسر الاحتكار الرقمي الكبير الذي فاخرت به الوفاق ووصل جمعية أخرى تقاربها في الرقم بدأ يؤثر سلباً على صورة الوفاق في الخارج، وهذا أكبر ما تخشاه، فذلك ينهي حقبة احتكرت فيه الوفاق التمثيل الشعبي في الإعلام وفي المجتمع الدولي والذي كان ورقتها الرابحة والتي من خلالها ضللت المجتمع والمنظمات الدولية، وأظهرت الشعب البحريني وكأنه تابع لها وهي المتحدث الوحيد باسمه، فجاء رقم العضوية في تجمع الوحدة الوطنية ليكسر الاحتكار ويعيد توزيع الورق من جديد حين برز لاعب جديد في الميدان.
الاعتراف الدولي بوجود هذا اللاعب الجديد هو ما أزعج الوفاق، اعتراف عربي وغربي وأمريكي، واعتراف إعلامي، وقد حاولت المستحيل لإقصائه واستبعاده، حاولت إيهام المجتمع الدولي بأنها وحدها من يحمل (فرانشيز) الشعب البحريني، لكن رقم “التجمع” فرض نفسه، ولا يمكن الآن بأي شكل من الأشكال أن تصاغ أي تسوية أو تصور مستقبلي للبلاد دون أن يكون للتجمع دور فيه.
فلا عجب أن تخصص المقالات للضرب في التجمع، لذا أتمنى أن لا ينزعج التجمع بل بالعكس عليهم أن يهنئوا أنفسهم.
المجتمع البحريني في النهاية بحاجة للتنوع الحزبي، فمثلما تحد السلطة ومثلما تحتاج المجتمعات لتوازن القوى بين السلطة والشعب، فإن الشعب يحتاج أن يحظى بتنوعات حزبية تمنع احتكار تمثيله كي لا تتسلط عليه الأحزاب المنفردة كما تسلطت أحزاب سياسية كثيرة وأصبحت النخب الحزبية في بعض المجتمعات هي التي تتمتع بالامتيازات وتسلطها فاق تسلط السلطات، لذا يأتي دور التجمع الآن لإحداث هذا التوازن المهم والضروري.
التحدي الآن أمام التجمع هو أن يسبق الوفاق وأن يحقق ما فشلت فيه وهو وجود مشروع سياسي وطني شامل، وأن ينتهج أسلوباً وسلوكاً وطنياً ويستخدم ضغط الجماعات المحلية لتحقيق أهداف المواطن البحريني من خلال أدوات بحرينية، وبهذا يتجنب عاملين أديا إلى فشل الوفاق؛ الأول عدم وجود عضو واحد من الوفاق من الطوائف الأخرى، والثانية تحريم الاستعانة بأي طرف أجنبي، والاثنان أصابا الوفاق في مقتل.
نتمنى من التجمع ومن بقية الجمعيات السياسية أن يتجنبوا جميعاً ما وقعت فيه الوفاق، ويملكون مشروعاً وطنياً عروبياً كقوى سياسية وطنية بحرينية عربية تقف على مسافة من السلطة كي تحد من تغولها.