كثيراً ما تطرح صحافتنا قضايا فساد وتنشر تفاصيلها، لكن الغريب هو كيفية التعاطي معها، حيث تبرز في العناوين الرئيسية ويتناولها الكتَّاب وتحدث موجة هجوم ضد الأطراف المسؤولة، ويصاحبها تصريحات رسمية بالتدخل والمعالجة، وكلها أيام وتختفي القضية عن الأضواء وتمحى من ذاكرة الناس ووسائل الإعلام.
سياسة عوجاء في الطرح والمعالجة تحتاج إلى تصحيح، حتى نكون قادرين وجادين في معالجة قضايانا ومشاكلنا الوطنية والمصيرية. الإصلاح يأتي من الشعب لا من الحكومة، فإذا تقاعست الأجهزة الحكومية عن مسؤوليتها وطوت وسائل الإعلام هذه القضايا بحثاً عن قضية أخرى جديدة، فإنَّ الشعب وحده مسؤول عن متابعة قضاياه وطرحها بقوة عبر البرلمان، والضغط على الحكومة عبر اللجان والتجمعات الشعبية للتدخل الفوري بحلها جذرياً لا سطحياً.
وهو ما ينطبق على الفساد في مشروع البيوت الآيلة للسقوط، فقد أثير الموضوع أكثر من مرة دون أدنى تجاوب أو ردة فعل إيجابية من الأجهزة الحكومية والأهلية لمعالجة القضية ومحاسبة المتلاعبين بحقوق الناس وأموال الدولة المخصصة لفقراء يعيشون تحت أسقف معرضة للسقوط فوق رؤوسهم في أي لحظة.
أين دور ديوان الرقابة المالية والإدارية، أين التدقيق والمحاسبة على وزارة البلديات وبنك الإسكان إذا كانوا المسؤولين الفعليين عن المشروع؟ ولماذا لم يتحرك أي طرف أو جهاز رسمي لتولي التحقيق في القضية والقبض على المتورطين وإعلان معاقبتهم؟ كيف تؤتمن المصالح العامة ، إذا كان المجال مفتوحاً بأوسع أبوابه للفساد دون حسيب ولا رقيب.
وما أثير من فساد في مشروع الآيلة للسقوط أكثر من مرة ووجود وثائق وأدلة تثبت التجاوزات في إدارة المشروع، لهو أكبر دليل على غياب الحساب والعقاب في قضايانا المصيرية.
إعادة بناء منازل لمواطنين يملكون منازل أخرى، وحدوث تشققات وسقوط جدارن في منازل بعد بنائها بأشهر، وفضائح أخرى لا تغيب عن أصحاب البيوت والجهات المديرة للمشروع. أين القانون ولماذا الصمت الحكومي حيال ذلك.
منذ سنوات والمشروع يتوقف سنة ويتعثر سنوات أخرى، وما إن نفذ حتى انكشفت صور الفساد والإدارة العشوائية للمشروع. أين النواب والبلديين وأين التحرك الأهلي لإصلاح وتنفيذ المشروع بشكله الصحيح.
ضحايا التلوث .. المشكلة والعلاج:
الدراما المأساوية نفسها تتكرر حول ما طرحته الزميلة «البلاد» حول تلوث المصانع في المعامير وسترة والحد. ولا داعي لذكر تفاصيل الضرر الصحي والبيئي الواقع على أهالي هذه المناطق، وإصابتهم بأمراض خطيرة وغياب الرقابة والمحاسبة والمعالجة لهذه المعضلة الكبيرة، التي عانى منها أهالي المناطق منذ سنوات طويلة ودفع ثمنها أبرياء دون أي تحرك رسمي جاد لمعالجة وضع المصانع والمنازل المحيطة بها.
وما فائدة الرقابة إذا لم تعزز بقوانين وإجراءات علاجية جذرية لا ظاهرية، منذ سنوات طويلة والصحافة لم تتوانَ عن مسؤوليتها في طرح القضية، وتسليط الضوء على نتائج الدراسات، وبيان خطورة الوضع على الجيل الحالي والمستقبلي، والحكومة والبرلمان كما يقول المثل «عمك أصمخ».
الأخطاء الماضية تتكرر اليوم من حيث مواقع المصانع الجديدة وغياب الرقابة وغياب التوجه الرسمي الجاد للفصل بين المناطق السكنية والصناعية.
بناء مصنع إسمنت بالقرب من مدرسة أطفال، ارتفاع نسبة السرطان والعقم والتشوهات وظهور حالات نادرة من الأمراض كل ذلك وأكثر، والوضع كما هو منذ سنوات كلام وصورة وطرح دون أدنى فعل!
القضية طرحت ألف مرة دون جدوى والحل الوحيد هو تشكيل لجان شعبية، مكوَّنة من أهالي المناطق وبرلمانيين وبلديين وقادة رأي يتبنون القضية بشكل جديّ، ونية صادقة لخدمة وطنهم لا يسعون لتحقيق مكاسب شخصية تخدم مقاعدهم التنفيذية والنيابية.
نؤمن بالدور الشعبي وقدرته في تحقيق مطالبة عبر كل المنافذ والقنوات المتاحة، وممارسة كل أنواع الضغط على الدولة لتقوم بدورها الإيجابي والمنشود.