يقول المولى عز وجل في سورة الرعد: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
آية فيها دلالات كبيرة، فيها إسقاطات عديدة على الواقع المعاش، في أي زمان وفي أي مكان، بيد أننا نقرأ ولا نعتبر، نرى بأعيننا ولا نستوعب، ونعترف بأن التغيير هو الحل لكننا لا نتغير أو نغير.
طوال شهور مضت، هناك من يقول بأن الحياة في البحرين عادت لما كانت عليه، وهناك في المقابل من يقول بأننا حتى لو عايشنا هدوءاً لفترة إنما هو ذاك الهدوء الذي يسبق العاصفة، في حين أن الجميع يكاد يجزم بأن المسألة لم تنتهِ، وما محاولة الانقلاب إلا بوادر لقضية أكبر وأخطر ستظل قائمة إلى وقت لا يعرف أحد مداه.
لو تأملنا في كل شيء أمامنا، سنجد أننا نراوح مكاننا أصلاً، لا شيء يتغير ولا تقدم حاصل لحل تداعيات الأزمة التي عصفت بالبحرين، لا حق استرد واسترجع، ولا جزاء وجه لمن يستحق الجزاء.
كيف نريد للبحرين أن تتغير للأفضل ونحن أصلاً لا نتغير؟! كيف نريد الأمور أن تنصلح ونحن أصلاً لا نعمل على إصلاحها؟! كل ما نراه سواء ظاهرياً أو ما “يُطبخ” في الكواليس يصب في اتجاه الوصول لصفقات وتفاهمات بمعزل عما يريده الناس، بالأخص الذين تضرروا جراء ما حصل، والكل يعرف أن ما حصل نتاج أطياف معينة، وفعل أشخاص معينين لهم أجندات وأهداف خاصة.
لن ينصلح حال البلد طالما بقي القانون معطلاً، وطالما ظل تطبيقه خجولاً. لن ينصلح الحال ونحن نتردد في تطبيق القانون، وإنزال العقوبة بمن يستحق، ومحاسبة المجرم والخائن والإرهابي والمدمر لأرضه وبلده والمستهدف لأمن وسلامة الناس.
لن ينصلح حال البلد حينما يجبر البعض نفسه، بل يوهمها بأن الحل في مجرد ادعاء النسيان واعتبار أن ما حصل كابوساً لن يتكرر، رغم أنه يدرك بأنه لو كتب للكرة أن تعود فإنها ستعود بنفس المستوى وبنفس الخطاب وبنفس الأسلوب إن لم يكن أقوى.
لن ينصلح حال البلد إن استمر الاقتناع بأنك ستزرع الصحراء القاحلة بإغراقها مجدداً بالماء، رغم أن التاريخ أثبت بأن هذه الصحراء أغرقت بمحيطات من المياه “الوفيرة” لكنها لم تنبت شيئاً، وإن كان من نبات فإنها أنبتت الشوك فقط الذي أدمى يد الزارع.
اليوم على أصحاب القرار ومن يرون بأن “التربيطات والاتفاقات” هي التي ستقود لحل الوضع بالبلد، عليهم أن ينتبهوا للطرف الآخر، الطرف الذي غيّر المعادلة، والذي وقف في وجه مخطط الانقلاب.
المخلصون وقفوا دفاعاً عن بلادهم، عن تراب البحرين، ولم يقبلوا بموازاة ذلك الإساءة للنظام والسعي لإسقاطه، لأن الداعي لذلك لم يكن إلا موالياً للخارج، لم يكن إلا ذئباً يرتدي رداء الشاة، لم يكن سوى أفاق وكاذب يدعي الحب والأخوة والتعايش مع الطوائف الأخرى في حين هو يخونها ويصفها بأقذع الأوصاف إن اختلفت معه.
اليوم جهات التأزيم تلعب بورقة أخرى، تسعى لإحياء الانقلاب من جديد، لا من خلال صفوفها ومريديها، لكن عبر اللعب على وتر الإحباط والاستياء الذي تولد بداخل قلوب المخلصين، هذا الإحباط الذي لم يأتِ من فراغ، بل جاء حينما أدى أسلوب التعامل “غير الواضح”، وأدى التراخي في تطبيق القانون إلى زعزعة الثقة في القلوب، وإلى خلق حالة تمرد ورفض لأي حل أو خطوة يفهم منها بأنها قائمة على التنازلات.
خطابات قادة التأزيم في الآونة الأخيرة تمضي للتركيز أكثر على الأطراف المناهضة لها، لغتها تهدف بشكل واضح وفاضح لاستدرار العواطف، عبر تغذية الإحباط بصورة غير مباشرة.
أحد التشكيلات غير المرخصة في الخارج أرسل رسالة واضحة قبل يومين يدعو فيها المخلصين من أبناء هذا الوطن للانقلاب على الدولة معتبراً بأنهم استخدموا كـ«أكباش فداء” للنظام الذي سبب لهم الإحباط!
في الوقت الذي يتم فيه فتح خطوط خفية مع المؤزمين والانقلابيين الذين لو سنحت لهم فرصة جديدة لإعادة إحياء ما فعلوه لعادوا بقوة مضاعفة، يتم فيه تعزيز الإحباط وزيادة الاستياء لدى المخلصين الذين بدأوا يجدون أنفسهم في “عزلة” غريبة بمنأى عمّن يخططون لتقسيم الكعكة تحت ذريعة “الحلول السياسية”.
قالوا بأن الأزمة ولدت دروساً، وأننا تعلمنا منها الكثير!
بلد تعرضت لمحاولة اختطاف، وطوال عام كامل بدلاً من محاسبة الخاطفين بالقانون، نرى مؤشرات لهفة واضحة على صياغة “صلح أو هدنة” بغض النظر عن التداعيات.
بكل أمانة، نحتاج لمعرفة هذه الدروس التي علمتنا إياها الأزمة! أفيدونا أفادكم الله!