أطراف عديدة تورطت في صراع اللاعنف الذي شهدته البحرين مطلع العام الماضي لم تدرك جيداً معادلة هذا النوع من الصراع السياسي، ولذلك باءت محاولة إحداث ما يسمى بـ (الثورة أو الاحتجاجات السياسية) بالفشل الذريع.
معادلة صراع اللاعنف تقوم على كيفية السيطرة على الجمهور وليس المواجهة بين أطراف الصراع الرئيسيين، ولكن أطراف هذا الصراع لم ينتبهوا جيداً لهذه المعادلة وخسروا سريعاً. والمميّز في الحالة البحرينية أن الجمهور استطاع التحرك ذاتياً بدلاً من أن يكون ضحية الصراع بين أطرافه عندما احتشد مئات الآلاف في ساحة الفاتح ليعلنوا وجهة نظرهم تجاه الأحداث الجارية آنذاك.
هذا التحليل ينطبق تماماً على ظاهرة الأجانب الذين تورطوا في قيادة الأحداث لأنهم عندما انساقوا وراء التعاطف الشعبي بالربيع العربي ركزوا على المواجهة مع أطراف الصراع أكثر من اهتمامهم بالتركيز على كسب الجمهور الذي خسروا تأييده وتعاطفه خلال ساعات قليلة عندما رفعوا شعارات راديكالية متطرفة وأساؤوا لمكونات المجتمع المختلفة.
مثل هذه المعطيات تعطينا مؤشرات واضحة على حالة الاستهداف المقبلة التي ينبغي الانتباه لها محلياً، وهي أن الجمهور البحريني بمختلف مكوناته هو المستهدف الآن ومستقبلياً، ولذلك بدأت أدوار الأجانب تتلاشى مرحلياً، وبدأت شخصيات بحرينية من مختلف المكونات بالظهور لترفع شعارات جديدة تتعلق بالإصلاح السياسي والديمقراطية والحريات والحقوق.. إلخ. وعليه لا يتوقع خلال الفترة المقبلة أن يزداد دور بعض الشخصيات الراديكالية التي اعتاد البحرينيون على أطروحاتها المختلفة طوال الفترة الماضية، بل هناك نخب جديدة للتغيير ما زالت قيد التشكل، والبعض منها بدأ نشاطه سريعاً ومبكراً، وصار معروفاً ما يقوم به والنتائج المتوقعة منه. ويكفي الدخول على شبكات التواصل الاجتماعي لمعرفة مثل هذه الشخصيات ودورها في تكوين خطاب إعلامي مختلف ومبتكر رغم أنه خطاب مازال الجمهور غير متقبل له.
من السلبيات التي أظهرتها الأزمة الأخيرة فقدان الوعي بقوة الجمهور، وما يمكن أن يقوم به، ومعادلة صراع اللاعنف الذي نتحدث عنه يرتكز بشكل أساسي على هذا الجمهور الذي صار يملك النفوذ الهائل في التأثير والتغيير السياسي دون أدنى حاجة لمؤسسات رسمية.
ولذلك من واجب الدولة الانتباه لمثل هذه المعادلة، وتطوير آلياتها لضمان كسب تأييد الجمهور بدلاً من استمرار النظرة التقليدية لعدم أهمية دوره السياسي وفاعليته. لأن استمرار النظرة التقليدية تعني عدم قدرة الدولة على استيعاب الجمهور نفسه، وهو ما يتيح المجال أمام أطراف الصراع الأخرى الراديكالية تحديداً على استغلال الجمهور وتعبئته وتجنيده بما يخدم مصالحها وبما لا يخدم مصالح الدولة البحرينية في الحفاظ على سيادتها واستقلالها وأمنها واستقرارها.