لو قدر للمواطن العربي أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ويخلو إلى نفسه في ساعة صفاء سائلاً ومتسائلاً: ماذا لو اختلفت نظرة، ومن ثم ردة فعل الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي عما قام به المواطن التونسي الشاب البسيط محمد البوعزيزي عندما أشعل النيران في جسده النحيل احتجاجاً على حرمانه، على يد رجال بن علي ذاته، من ممارسة حقه في توفير لقمة عيشه التي حرم منها؟ فبدلاً من أن يرى بن علي في ذلك مؤشراً على تردي الأوضاع في تونس ويبادر، برغبة صادقة مخلصة، إلى معالجة المسألة بشكل حضاري متمدن، لربما أخذ تطور ثورة الياسمين التونسية مساراً آخر وفر على الشعب التونسي كثيراً من التضحيات التي لايزال يقدم الكثير منها، حيث لم تتوقف الاحتجاجات من جانب الشارع، ولم يتردد النظام الجديد في اللجوء إلى العنف وسيلة للمعالجة، وكأن من خلفوا بن علي لم يستفيدوا من درس عاشوا هم كل لحظة منه.
يحمل المواطن العربي تساؤله معه متجهاً شرقاً كي يحط الرحال في قاهرة المعز ويسمح لنفسه بأن يثير ذلك التساؤل من جديد، لكن هذه المرة في وجه الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك؛ فماذا كان الطريق الذي ستسلكه ثورة 25 يناير 2011 المصرية، ومن ثم النهايات التي ستؤول إليها لو استمع مبارك ومن كان معه حينها إلى هتافات وسلوك الملايين التي توافدت على ميدان التحرير، وأمضت الليالي مفترشة أرضه مطالبة بحقها في العيش بكرامة؟ وضع مبارك وزمرته حينها وقراً في آذانهم وغشاوة سوداء على أعينهم، وبدلاً من اللجوء إلى الحوار الحضاري وإرسال الوفود للجلوس مع تلك الجماهير الغفيرة من أجل التوصل إلى حلول وسط قابلة للتنفيذ؛ أرسلوا جمالهم وجيادهم حاملة على ظهورها أدوات الموت بدلاً من حمائم السلام. دفع الشعب المصري حينها ولايزال فواتير باهظة الثمن ونزف كثيراً كي يعبر مرحلة لايزال مبكراً الحكم على جدواها، عندما تقاس الأمور بمعايير مستوى التضحيات مع درجات الإنجاز.
يعود المواطن في رحلة تساؤلاته هذه التي نرافقه فيها نحو الغرب كي يدخل أبواب طرابلس “ليبيا”، ويرفع التساؤل ذاته في أروقة القصور التي كان يعيش فيها الرئيس الليبي المقتول معمر القذافي، وسط بطانة هي الأخرى لا تقل فساداً عن شقيقاتها في تونس العاصمة والقاهرة، فعوضاً عن التفاعل الإيجابي مع الجماهير التي خرجت في بداية الأمر طامعة في إصلاحات إنسانية بديهية، خرج القذافي كي يضع شعباً كاملاً في مرتبة حيوانية دنيا هي “الجرذان”، ثم يعود كي يتوعده بالمطاردة في كل شارع في المدينة وكل ردهة من بيوت ذلك الشارع. رفض القذافي ومن كان معه في حكمه الفاسد أن يستمع إلى صوت أبناء شعبه، واختار وبمحض إرادته ودون أية ضغوط من الخارج أن يلجأ إلى قواته المسلحة، فيرسل مصفحاته، وفي مرحلة لاحقة طائراته، كي تدك المدن وتقتل المئات وتشرد الآلاف من أبناء ليبيا. انتهى المشهد المأساوي الليبي، لكن ذيوله لاتزال فاعلة، وكأنه كتب على ذلك الشعب أن يواصل دفع فواتير مفتوحة لا يعلم سوى الله متى سيتوقف عن تسديدها.
ويشد المواطن الرحال ذاته كي يصل إلى صنعاء اليمن، فيجدها هي الأخرى لا تختلف عن سابقاتها من العواصم العربية الأخرى؛ بل ربما كان المشهد هنا أكثر سوءاً ومأساوية، فقد وصل الأمر بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح أن يسافر إلى الخارج كي يتلقى العلاج من إصاباته البالغة التي نجمت عن انفجار صاروخ في قصره الجمهوري أثناء أدائه الصلاة فيه. من جديد يتكرر المشهد العربي المؤلم؛ جماهير تطالب بحقوقها البسيطة المشروعة، ونظام متصلب يرفض الاستماع لها ويصر على تصعيد الصدام كي يوصل اليمن إلى ما هو عليه الآن. ماذا كان سيضير الرئيس اليمني المصاب بجسده المملوء بشظايا ذلك الانفجار لو أنه قرأ الرسالة التي حملها ذلك الصاروخ الذي مزق أعضاءه بصورة مختلفة، وأرسل رسل حوار لا جنود قتال كي يرسموا سوية معالم يمن جديد يطمح أن يراه أبناء اليمن ولكي يجنب اليمن ما هو عليه اليوم فيصبح حقيقة اليمن السعيد؟ محصلة صم الآذان، هي الحالة التي وصل لها اليمن اليوم، ومن الصعب التكهن بصورة المستقبل المظلم الذي ينتظر شعبه.
ومن اليمن يعود ذلك المواطن، الذي أنهكه دون أن ييأس التساؤل ذاته، إلى دمشق، التي تملأ سماءها ألسنة لهب الحرائق وأدخنة الرماد المتصاعدة من المعارك التي تدور رحاها فوق أراضيها، بل وصل الأمر إلى مواجهات عسكرية ضارية بين جيشين نظاميين، ويتوجه نحو رئيسها الذي لايزال مصراً على عدم الاستماع إلى نداءات بح صوت المواطنين من ترديدها، وغلت تضحياتهم وهم يحاولون أن يقنعوا النظام بالاستماع لها؛ ماذا لو نزع الرئيس السوري بشار الأسد الغشاوة التي تعمي ناظريه والطين الذي يسد مسامعه وحاول أن يستوعب الشارع السوري من مدخل مختلف غير الذي اختاره؟ كان في يد الأسد الحل المنطقي وليس السحري فيما لو جلس مع أبناء شعبه كي يفهم ما يجول في خواطرهم وما يعتمل في نفوسهم، وحول ذلك إلى برنامج إصلاح كامل جنب سوريا ما تحملته من مصائب وما ينتظرها من مستقبل مظلم بعد أن دخلت إلى ساحة الصراع وبشكل مكشوف دول إقليمية مجاورة، ليست تركيا، ومن قبلها إيران سوى تلك المعلنة أسماؤها منها.
هذا المواطن العربي، وفي بساطة تكاد أن تبلغ السذاجة في عفويتها، يرفع هذا السؤال ليس في وجه من يحكمون إنما في وجه من يعارضون، فهم الآخرون ارتكبوا الكثير من الجرائم بحق هذا الشعب المظلوم. لا يعفي هذا المواطن من عارض تلك الأنظمة من المسؤولية، لكنه يرى أن القرار كان في الأصل بيد أولئك الذين كانوا في السلطة، فهم قبل غيرهم كان في وسعهم أن يأخذوا زمام المبادرة ويضعوا الحلول بشكل مسبق كي لا تتدهور الأمور على النحو الذي شاهدناه، وتتردى الأوضاع إلى ما وصلت إليه اليوم، وتأخذ المسار الذي وصفناه.
ماذا لو؟! تساؤل قد يبدو بسيطاً في مظهره الخارجي؛ لكنه عميق جداً في مضمونه الداخلي، وربما يعتقد البعض أن الوقت أصبح متأخراً إلى درجة أن هذا التساؤل فقد جدواه، لكن التاريخ يعلمنا أن ليس هناك من وقت للإصلاح، وليس هناك من زمن يستحيل فيه التراجع. كل ما في الأمر هو توفر الرغبة لدى الأطراف المتصارعة في الخروج من عنق الزجاجة الذي لاتزال المنطقة العربية غير قادرة على النفاذ منه، لا لسبب سوى إصرار أطراف الصراع على نبذ وسيلة الحوار المتمدن، واللجوء عوضاً عن ذلك إلى الصراع المتناحر المتخلف حضارياً والفاشل سياسياً على حد سواء.
ربما يقول البعض “لكن لو تفتح عمل الشيطان”، هذا صحيح، لكن عندما تحسن النوايا وتختفي الأنانيات وننظر إلى “لو” من زاويتها الإيجابية، فلربما، وفي حالات استثنائية تشرع “لو” بوابات السلام على مصراعيها، وهذا ما يتمناه ذلك المواطن العربي البسيط عندما رفعها متسائلاً لا مشككاً
يحمل المواطن العربي تساؤله معه متجهاً شرقاً كي يحط الرحال في قاهرة المعز ويسمح لنفسه بأن يثير ذلك التساؤل من جديد، لكن هذه المرة في وجه الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك؛ فماذا كان الطريق الذي ستسلكه ثورة 25 يناير 2011 المصرية، ومن ثم النهايات التي ستؤول إليها لو استمع مبارك ومن كان معه حينها إلى هتافات وسلوك الملايين التي توافدت على ميدان التحرير، وأمضت الليالي مفترشة أرضه مطالبة بحقها في العيش بكرامة؟ وضع مبارك وزمرته حينها وقراً في آذانهم وغشاوة سوداء على أعينهم، وبدلاً من اللجوء إلى الحوار الحضاري وإرسال الوفود للجلوس مع تلك الجماهير الغفيرة من أجل التوصل إلى حلول وسط قابلة للتنفيذ؛ أرسلوا جمالهم وجيادهم حاملة على ظهورها أدوات الموت بدلاً من حمائم السلام. دفع الشعب المصري حينها ولايزال فواتير باهظة الثمن ونزف كثيراً كي يعبر مرحلة لايزال مبكراً الحكم على جدواها، عندما تقاس الأمور بمعايير مستوى التضحيات مع درجات الإنجاز.
يعود المواطن في رحلة تساؤلاته هذه التي نرافقه فيها نحو الغرب كي يدخل أبواب طرابلس “ليبيا”، ويرفع التساؤل ذاته في أروقة القصور التي كان يعيش فيها الرئيس الليبي المقتول معمر القذافي، وسط بطانة هي الأخرى لا تقل فساداً عن شقيقاتها في تونس العاصمة والقاهرة، فعوضاً عن التفاعل الإيجابي مع الجماهير التي خرجت في بداية الأمر طامعة في إصلاحات إنسانية بديهية، خرج القذافي كي يضع شعباً كاملاً في مرتبة حيوانية دنيا هي “الجرذان”، ثم يعود كي يتوعده بالمطاردة في كل شارع في المدينة وكل ردهة من بيوت ذلك الشارع. رفض القذافي ومن كان معه في حكمه الفاسد أن يستمع إلى صوت أبناء شعبه، واختار وبمحض إرادته ودون أية ضغوط من الخارج أن يلجأ إلى قواته المسلحة، فيرسل مصفحاته، وفي مرحلة لاحقة طائراته، كي تدك المدن وتقتل المئات وتشرد الآلاف من أبناء ليبيا. انتهى المشهد المأساوي الليبي، لكن ذيوله لاتزال فاعلة، وكأنه كتب على ذلك الشعب أن يواصل دفع فواتير مفتوحة لا يعلم سوى الله متى سيتوقف عن تسديدها.
ويشد المواطن الرحال ذاته كي يصل إلى صنعاء اليمن، فيجدها هي الأخرى لا تختلف عن سابقاتها من العواصم العربية الأخرى؛ بل ربما كان المشهد هنا أكثر سوءاً ومأساوية، فقد وصل الأمر بالرئيس اليمني علي عبدالله صالح أن يسافر إلى الخارج كي يتلقى العلاج من إصاباته البالغة التي نجمت عن انفجار صاروخ في قصره الجمهوري أثناء أدائه الصلاة فيه. من جديد يتكرر المشهد العربي المؤلم؛ جماهير تطالب بحقوقها البسيطة المشروعة، ونظام متصلب يرفض الاستماع لها ويصر على تصعيد الصدام كي يوصل اليمن إلى ما هو عليه الآن. ماذا كان سيضير الرئيس اليمني المصاب بجسده المملوء بشظايا ذلك الانفجار لو أنه قرأ الرسالة التي حملها ذلك الصاروخ الذي مزق أعضاءه بصورة مختلفة، وأرسل رسل حوار لا جنود قتال كي يرسموا سوية معالم يمن جديد يطمح أن يراه أبناء اليمن ولكي يجنب اليمن ما هو عليه اليوم فيصبح حقيقة اليمن السعيد؟ محصلة صم الآذان، هي الحالة التي وصل لها اليمن اليوم، ومن الصعب التكهن بصورة المستقبل المظلم الذي ينتظر شعبه.
ومن اليمن يعود ذلك المواطن، الذي أنهكه دون أن ييأس التساؤل ذاته، إلى دمشق، التي تملأ سماءها ألسنة لهب الحرائق وأدخنة الرماد المتصاعدة من المعارك التي تدور رحاها فوق أراضيها، بل وصل الأمر إلى مواجهات عسكرية ضارية بين جيشين نظاميين، ويتوجه نحو رئيسها الذي لايزال مصراً على عدم الاستماع إلى نداءات بح صوت المواطنين من ترديدها، وغلت تضحياتهم وهم يحاولون أن يقنعوا النظام بالاستماع لها؛ ماذا لو نزع الرئيس السوري بشار الأسد الغشاوة التي تعمي ناظريه والطين الذي يسد مسامعه وحاول أن يستوعب الشارع السوري من مدخل مختلف غير الذي اختاره؟ كان في يد الأسد الحل المنطقي وليس السحري فيما لو جلس مع أبناء شعبه كي يفهم ما يجول في خواطرهم وما يعتمل في نفوسهم، وحول ذلك إلى برنامج إصلاح كامل جنب سوريا ما تحملته من مصائب وما ينتظرها من مستقبل مظلم بعد أن دخلت إلى ساحة الصراع وبشكل مكشوف دول إقليمية مجاورة، ليست تركيا، ومن قبلها إيران سوى تلك المعلنة أسماؤها منها.
هذا المواطن العربي، وفي بساطة تكاد أن تبلغ السذاجة في عفويتها، يرفع هذا السؤال ليس في وجه من يحكمون إنما في وجه من يعارضون، فهم الآخرون ارتكبوا الكثير من الجرائم بحق هذا الشعب المظلوم. لا يعفي هذا المواطن من عارض تلك الأنظمة من المسؤولية، لكنه يرى أن القرار كان في الأصل بيد أولئك الذين كانوا في السلطة، فهم قبل غيرهم كان في وسعهم أن يأخذوا زمام المبادرة ويضعوا الحلول بشكل مسبق كي لا تتدهور الأمور على النحو الذي شاهدناه، وتتردى الأوضاع إلى ما وصلت إليه اليوم، وتأخذ المسار الذي وصفناه.
ماذا لو؟! تساؤل قد يبدو بسيطاً في مظهره الخارجي؛ لكنه عميق جداً في مضمونه الداخلي، وربما يعتقد البعض أن الوقت أصبح متأخراً إلى درجة أن هذا التساؤل فقد جدواه، لكن التاريخ يعلمنا أن ليس هناك من وقت للإصلاح، وليس هناك من زمن يستحيل فيه التراجع. كل ما في الأمر هو توفر الرغبة لدى الأطراف المتصارعة في الخروج من عنق الزجاجة الذي لاتزال المنطقة العربية غير قادرة على النفاذ منه، لا لسبب سوى إصرار أطراف الصراع على نبذ وسيلة الحوار المتمدن، واللجوء عوضاً عن ذلك إلى الصراع المتناحر المتخلف حضارياً والفاشل سياسياً على حد سواء.
ربما يقول البعض “لكن لو تفتح عمل الشيطان”، هذا صحيح، لكن عندما تحسن النوايا وتختفي الأنانيات وننظر إلى “لو” من زاويتها الإيجابية، فلربما، وفي حالات استثنائية تشرع “لو” بوابات السلام على مصراعيها، وهذا ما يتمناه ذلك المواطن العربي البسيط عندما رفعها متسائلاً لا مشككاً