الطريقة التي تم فيها توزيع الدفعة الأُولى من الدعم الذي تلقته البحرين من أشقائها الكويتيين والسعوديين على المشاريع؛ طريقة عليها عدة مآخذ.
فهي طريقة اعتمدت تقديم ما هو «جاهز» من مشاريع لدى الوزارات، ورغم أنها مشاريع كلها لخدمة الصالح العام، إنما ترتيبها لم يكن ناجحاً تماماً من حيث ضرورتها الآنية وأولويتها للمواطنين.
أما الآلية الثانية التي اعتمدتها الحكومة للمشاركة في أخذ الرأي لتحديد الأولويات فهي الأخرى عليها عدة مآخذ؛ إذ قدمتها على شكل حزمة من المشروعات «كبكج» للنواب وبوقت قصير، وحملتهم مسؤولية التأخير في حال عدم الموافقة، مما جعلهم يوافقون «مرغمين»! ومرغمين وضعتها بين قوسين لأن النواب يملكون صلاحية الرفض على الأقل من باب تبرئة الذمة.
عشرة مليارات دولار على مدى عشر سنوات بإمكانها أن تحدث الكثير من التغيير في البحرين لو أحسنا توظيف هذا المبلغ وصرفناه بطريقة مدروسة واتفقنا على أولوياتها، إنما طريقة الانفراد بالقرار وتقديم «ما هو جاهز» على غيره طريقة يشوبها الارتجال والفوضى.
فأوروبا التي استقينا توصيف الدعم من مشروعها أي مشروع «مارشال»، شكلت صندوقاً أو هيئة أو مجلس أمناء سمي حينها منظمة التعاون الاقتصادي الأوروبي (آنفا) رأسها الفرنسي روبير مارجولين حال إقرار المشروع، ورغم وجود حكومات في كل الدولة الأوروبية التي ستتلقى الدعم، إلا أن وجود هيئة متفرغة تضع الأسس والمعايير وتقدم المشورة للحكومات كان ضرورياً من أجل عدة أهداف؛ أهمها تحديد الأولويات وعدم الاختلاف عليها بين الحكومة والمجالس النيابية، وثانيها وجود أعلى درجات الشفافية بين هذا الصندوق مع الشعوب الأوروبية، ثم كان من أهداف تشكيل المنظمة تقديم المساعدة والمشورة للجهات المستفيدة من أجل تقليص العقبات أمام بلوغ تلك الأهداف.
لهذا لم يتوقف عمل المنظمة حتى بعد انتهاء المشروع، بل استمر وتطور إلى الآن، ومازالت أوروبا تستفيد من تلك المنظمة إلى يومنا هذا، وانضمت لها دول أخرى غير أوروبية وسميت الآن منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية «OECD»، وهي الآن تقدم الدراسات والبحوث للحكومات الأوروبية.
نحن بحاجة إلى مثل هذه الآلية التي تمنع انفراد أي جهة في تحمل مسؤولية وعبء تحديد الأولويات، نحن بحاجة لآلية تنقل اجتماعاتها مباشرة للمواطنين ليعلم الجميع كيفية تحديد الأولويات وعدم استئثار فئة دون أخرى أو أطراف دون آخرين بهذا الدعم.
فقد كنا نشكو قبل وجود الدعم من ضياع بوصلة الأولويات عند السلطتين التنفيذية والتشريعية، وعدم شعور المواطن بالتغيير رغم ما تبذله الحكومة من جهد، كنا نشكو من عدة نواقص تشوب عملية توزيع الميزانية العامة للدولة وتقارير ديوان الرقابة شاهد ضعف أنظمة الرقابة وضعف أنظمة المتابعة في تنفيذ المشاريع، فلم يكن نقص الميزانية هو فقط العامل الذي يعيق شعور الناس بالتغيير وتحسن مستوى معيشتهم، بل كانت هناك عدة أمور أخرى تقف عائقاً يحول بين التغيير في مستوى المعيشة للمواطن.
واليوم حين وصول الدعم الخليجي السخي زال العائق المالي، إنما ظلت العوائق الأخرى موجودة، وطريقة التعامل مع الدفعة الأُولى تؤكد استمرار تلك العوائق وقد تعيق عملية الاستفادة القصوى من ذلك الدعم.
نحن لا نشير هنا إلى وجود شبهات فساد إنما نشير إلى آلية عمل بحاجة إلى تقويم وبحاجة إلى تصحيح وبحاجة إلى تغيير ربما بالكامل.
إن الحكومة هي أكثر الجهات المستفيدة من وجود هيئة مشكلة من عدة جهات؛ فهي ستزيل عبء تحمل مسؤولية اللوم وحدها، وتضمن أعلى درجات الشفافية، وتضع الرأي العام أمام مسؤوليته في تحديد أولوياته.