في الأسابيع الماضية صدر عن سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم الخليفة مجموعة من التصريحات حول دعوة المستثمرين ورجال الأعمال للاستثمار في مجال الزراعة، والاهتمام بالحرف اليدوية، وهي دعوات تستحق الاستجابة وتستحق أن تتحول إلى مشاريع متوسطة وكبيرة ستعود آثارها الإيجابية على البحرين في حال تنفيذها بأساليب صحيحة، إن هذه المبادرة تجدد الطموحات القديمة بتطوير الاقتصاد البحريني والخليجي ودفعه نحو الاستثمار في قطاعي الإنتاج الصناعي والزراعي وتوفير احتياجاتنا محلياً من أغلب السلع الصناعية والزراعية . أذكر أني شاهدت، قريباً، فقرة إخبارية على قناة الجزيرة حول مشروع لزراعة الورود في دولة قطر، حيث يقوم هذا المشروع على استيراد بذور الورود المختلفة (كمرحلة أولى) من هولندا وعدة دول أوروبية، وزراعتها في بيوت بلاستيكية داخل قطر، بأساليب الري الحديثة كالري بالتنقيط والترشيح وبضبط درجات الحرارة المنخفضة التي تحتاجها زراعة الورود، والمشروع حسب خطته ينتج كمية كبيرة من الورود والزهور سنوياً وسيلبي احتياجات السوق القطرية ويصدر الفائض إلى الخارج، وقد تمكنت قطر فعلاً من إنتاج كمية أولية من هذه الورود وبجودة لا تقل عن جودتها في بيئتها الأم، والسؤال الذي يطرح نفسه بوجاهة: بما أن قطر تمكنت من زراعة الورود التي تنتجها هولندا وإسبانيا وفرنسا باستخدام التقنيات الحديثة، ألا يمكن دول الخليج أن تزرع جزءاً من احتياجاتها الغذائية باستخدام نفس التقنيات؟! الجميع يتذكر مشروع زراعة القمح الذي بدأت به المملكة العربية السعودية وقامت بتصديره للخارج، والجميع يتساءل عن سبب توقف مشروع كبير واستراتيجي مثل زراعة القمح، وهو مشروع لا يقل أهمية عن إنتاج النفط، ونحن نتساءل عن عدم الاستثمار في قطاع الزراعة في دولة كبيرة وغنية مثل المملكة العربية السعودية تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والأراضي القابلة للاستصلاح والاستثمار في مجال الزراعة بما يحقق نتائج هائلة تؤهل المملكة العربية السعودية لتصدير المنتجات الزراعية المختلفة بكميات كبيرة . إن التجربة الأردنية في مجال الزراعة تستحق الدراسة فالمساحة الزراعية في الأردن مساحة صغيرة نسبياً تقتصر على منطقة الغور تحديداً، وبعض المزارع في منطقة جرش وعجلون، كما إن نسبة مياه الأمطار والمياه الجوفية شحيحة في الأردن ولا اعتماد على مشاريع السدود في تجميع مياه السيول في موسم الأمطار، والاعتماد الأساسي للري في الأردن يعتمد على التقنيات الحديثة وليس على وفرة المياه، ومع هذا فإن المملكة الأردنية الهاشمية تغطي احتياجها الداخلي بالكامل من معظم المنتجات الزراعية وتغطي احتياجات دول الخليج العربي وتصدر كمية معقولة منها إلى مصر وأوروبا !! والموضوع كما يقول خبراء التنمية لا يحتاج إلا إلى دعامتين: إرادة صادقة وإدارة صالحة، فهل يصعب توفيرهما في دولنا الخليجية؟ تمتلك دول الخليج العربي ثروات نفطية هائلة يمكن الاستفادة من عوائدها في استغلال الثروات الأخرى وفي البدء في المشاريع الصناعية المتوسطة والكبيرة، فدول الخليج تعاني في الوقت نفسه من مشكلات في التنمية ومن وجود نسب بطالة متفاوتة، وتوسيع الاستثمار في القطاعات الجديدة كالزراعة والصناعة سوف يحل الكثير من هذه المشكلات، أسئلة اقتصادية كثيرة نطرحها ونحن نشاهد دول العالم في شرق آسيا وفي أوروبا تستغل كل إمكاناتها لتطوير اقتصادها: فما الذي يعيق استغلال الطاقة الشمسية في البحرين ودول الخليج لتصبح بديلاً رخيصاً ونظيفاً عن البترول ؟ ما الذي يعيق البدء بمشاريع صناعية كبرى تصل إلى تصنيع السيارة الخليجية أسوة بجارتنا إيران التي صنعت السيارة الإيرانية؟!! ما الذي يعيق بناء مئات البيوت البلاستيكية في البحرين وفي دول الخليج لزراعة المحاصيل الهامة التي يحتاجها السوق الخليجي بشكل يومي؟ لا أزعم أني خبيرة في مجال الاقتصاد ولكننا تعلمنا ألا شيء مستحيل حال توفر الإرادة، ومستقبل الخليج العربي وأمنه لا يعني فقط حماية حدوده الإقليمية وهويته، بل تغيير نمط اقتصاده وتقليل اعتماده على الخارج في توفير أبسط احتياجاته، فاعتماد دول الخليج العربي على تصدير البترول وعلى قطاع الخدمات والتجارة الوسيطة في الاستيراد والتصدير هو اتجاه للاقتصاد سريع الربح، واقتصاد غير منتج، ونحن بحاجة إلى فتح طرق جديدة نحو الإنتاج بدءاً من الاكتفاء الذاتي مما ننتج وانتهاء بتصدير منتجاتنا إلى الأسواق العربية والعالمية. أتمنى أن تلقى مبادرة سمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة استجابة صادقة، وأتمنى أن ينبري من غرفة تجارة وصناعة البحرين ومن المستثمرين البحرينيين والخليجيين من يتبنى مبادرة الأميرة سبيكة ويحولها إلى مشروعات وبرنامج عمل وطني يستفيد منه المستثمرون وتستفيد منه البحرين اقتصادياً.