لست أفهم إلى أين ستأخذنا لعبة تكسير عظام بعضنا بعضاً، أو محاولة ضرب هذا بذاك، فلم تمر سنة واحدة على فرحة التجمع الوطني الأول (الذي كان من أجل البحرين ولقطع الأيادي التي تريد أن تقول إنها هي الشعب، وإن لا مكون آخر رئيساً موجود) لم تمض سنة حتى حدث ما حدث من انشقاقات، أو كما يقال جاءت لعبة تجزئة المجزأ. تجمع الفاتح كان من أجل البحرين لا من أجل فلان أو علان، لا من أجل شخوص أو جمعيات، الجميع خرج حباً في البحرين وخوفاً عليها، ولإظهار صوت الحق والحقيقة من بعد كذب وتدليس الخائن البائع لوطنه. تجمع الفاتح ألقم الخونة حجراً، وأسكت أفواه الكذب التي دأبت على العمل بمقولة (اكذب.. اكذب حتى يصدقوك) في مسألة الأكثرية، فقد تعرت هذه الكذبة في تجمعات الفاتح وهدير صوت الجماهير. حتى مع التحفظات على أداء وموقف وتصريحات ومطالبات تجمع الوحدة الوطنية، حتى مع الصمت في أوقات كان يجب على رأس التجمع الخروج إلى الناس (بالتصريح فقط) ليعلن رفضه لأمور بعينها، حتى مع ذلك فلا يوجد حتى الساعة بديل مقبول للشيخ الفاضل عبداللطيف آل محمود. نعم انتقدنا التجمع كأداء وتصريحات ومواقف وخطاب، كان ضعيفاً في بعض الأحيان، إلا أن لا بديل واقعياً للشيخ عبداللطيف آل محمود موجود على الساحة. كان أكثر شيء جعل الناس تلتم حول التجمع هو أنه لم يكن إخوانياً ولا سلفياً، ولا تحت أي جمعية دينية أو سياسية، كان هذا أحد أقوى الأمور التي جعلت الناس تقبل على التجمع، فقد كره العامة الألوان، وكرهوا الاصطفاف خلف لون واحد من ثم يخذلهم. كل ذلك كان عن بداية التجمع، لكن اليوم وبعد مرور عام ونيف على ذكرى التجمع الأول، وبعد أن خرج تجمع صغير من الإخوة الشباب أطلقوا على أنفسهم “شباب صحوة الفاتح” وكان خروجهم في وقت بيات سياسي للتجمع الأم، وهذا أيضاً جعل الناس تتجه إليهم بعد أن كان خطابهم قوياً (نوعاً ما) أو أقوى بكثير من خطابات التجمع الأم، لكن شباب صحوة الفاتح أيضاً بخرتهم شمس الصيف ولم نعد نراهم، خرجوا قبل ذكرى التجمع، واختفوا بعد التجمع وحتى الساعة. وهذا يجعل الناس تتساءل، أين هم “الصحوة” هل تحتاج الصحوة إلى صحوة؟ أم ننتظر انشقاق صحوات عن الصحوة، وهو ما يسمى بتجزئة المجزأ..؟؟ في تقرير تجمع الفاتح الأم، جاءت فقرة تقول إن النظام أراد ضرب تجمع الفاتح بتجمع آخر وهو تجمع صحوة شباب الفاتح..! فهل هذا صحيح..؟ أجد أن ذلك اتهام قوي من تجمع الفاتح، وهذا الاتهام يمس الدولة، ويمس أيضاً شباب الصحوة (ولم ألمس تعليقاً من شباب الصحوة، أو على الأقل لم أطلع عليه في الصحافة). فهل دخلنا مرحلة تقاذف الحجارة بين التجمع والنظام، وبين التجمع الأم وشباب الصحوة؟ غير أن اختفاء شباب الصحوة فجأة كما ظهروا فجأة جعل الناس تقول إن ذلك صحيح، فلماذا اختفوا، بعد أن كانوا يصعّدون بخطابات حماسية، فهل كان خروجهم لأمر ما، وقد حدث، لذلك اختفوا..؟ حتى وإن كان كل ذلك صحيحاً (على سبيل الافتراض) إلا أن تجمع الفاتح الأم هو من ترك المجال أمام آخرين للظهور، فقد خفت الصوت كثيراً، وغاب عن الساحة (إعلامياً ومن خلال التصريح) مما جعل الناس تقول أين تجمع الفاتح، لماذا هو صامت، لماذا لا يقول كلمة. بعض ما ينقل عن شباب الصحوة أنهم قالوا (ولا أعرف إن كانوا قالوا ذلك فعلاً) إن تجمع الفاتح الأم يأخذ إذناً للتصريحات الإعلامية، أو يأخذ إذناً من أجل الإعلان عن تجمع جماهيري، ولا أعلم مدى صحة المقولة، لكن يبدو أن هذه المقولة قيلت في فترة غياب تجمع الفاتح عن الساحة. الشيخ عبداللطيف آل محمود قال في أحد تصريحاته: “إن مشكلتنا هي أن هناك من يريد الزعامة”، وهذا الكلام صحيح، ولا غبار عليه، لكن هذا الأمر يحدث حتى داخل تجمع الفاتح. لكني أقول رسالة لمن يعنيه الأمر في التجمعين، إن من خرج لتجمع الفاتح من جماهير كان خروجه من أجل البحرين، ومن أجل سيادتها وعروبتها، ومن أجل إسكات أفواه بغيضة مريضة مهووسة بالكذب والدجل أخذت تتحدث باسم الشعب، وهي أقل من نصف الشعب، هذا الذي جعل الناس تخرج. الناس خرجت من أجل أمنها وأمانها، وأمان البحرين، فقد كان في ذلك الوقت الأمن مفقوداً، وأخذ الناس يحمون أنفسهم بأنفسهم. وإذا ما حدث ضعف من التجمع في الخطاب والمواقف والتصريحات، فإن الناس والجماهير قد تبحث عمن يعبر عنها، وعن مواقفها، فهي لا تريد إعطاء شرعية لتجمع للتحدث باسم الناس بينما هو لا يقول رأيهم ولا يعبر عن مواقفهم. جزء من ابتعاد الجماهير عن التجمع هو ضعف الخطاب، وعدم وجود آلية للضغط (كما يفعل الآخرون) من أجل تحقيق المطالب، فتذهب المطالب والخطابات أدراج الرياح، ومن ثم يتباكى التجمع من أن الدولة لا تستجيب لمطالبه. في مواجهة جمعية طائفية فئوية تريد أن تنتقم من بقية الشعب، وتمول الإرهاب في الشارع وتقتل أهل البحرين، يجب أن يكون هناك تجمع وطني جامع، يرفض أن يُمس أهل السنة والجماعة، ويرفض أن يُمس المكون الشيعي. ففي الأصل لم يخرج أهل السنة لاستهداف أحد، من خرج في الدوار بخطابات طائفية وتحريض ومارس الإرهاب وقتل الناس، هم من يقف خلف الدوار المقبور، فلم يفعل أهل السنة شيئاً للمساس بالشيعة على طوال تاريخهم بالبحرين. تجمع الفاتح ليس ملكاً لأحد، إنه ملك الناس التي جاءت من كل حدب وصوب لتقول كلمتها، إن كان هذا التجمع برئاسة فلان أو برئاسة علان، التجمع وجد ليبقى، فهم رمز للوحدة الوطنية الجامعة، لكن على من يتصدى لرئاسة التجمع أن يعبر بقوة وحقيقة وضمير عن إرادة الناس، ليس من حق أحد اختطاف إرادة الناس والتحدث باسمهم، وهو يقول موقفه الشخصي. إن كان هناك من سبب جعل شباب صحوة الفاتح يخرجون، فإنه التجمع الأم، هو من غاب، وهو من كان صوته خافتاً، وأحياناً لا صوت، لذلك أصبحت الساحة أمام آخرين ليعبروا عن إرادة الناس، حتى وإن كانوا كما قال تجمع الفاتح من صنيعة النظام، فما جعل الناس تذهب إليهم هو خطابهم، وليس شيئاً آخر. لكن هناك من تشفى وسعد بما يحدث، فلا يفرح، ذلك أن قوة تجمع الفاتح في جماهيره، وليست في الشخوص، ولذلك لا يتحلل هذا التجمع، لكن التشفي جاء بسبب قوة إرادة التجمع وما أصاب هؤلاء من إحباط بخروج تجمع وطني كبير. ^^ رذاذ كثير من الناس يتحدثون بذات اللغة، بذات الرأي، وهو أن الدولة تخشى أناساً أكثر من آخرين، رغم أن الآخرين يرهبون ويقتلون، إلا أن الدولة لا تخشاهم وتعرف كيف تلاعبهم، وإنما تخشى آخرين، فهل هذا سبب المشهد الذي أمامنا؟ شخصياً لو كانت لدي مؤسسة صغيرة، وهناك مجموعتان من العمال تطالبان كل يوم بمطالب، لضربت هذه المجموعة بتلك، وجعلتهما ينشغلان ببعضهما البعض، وجلست أتفرج من فوق..!!