أتصوّر أن أكثرية القراء الأكارم قد عاشوا مراراً وتكراراً تجربة الابتعاد فترةً وجيزةً عن الوطن بسبب الحاجة للسفر لإنجاز مهمة وظيفية أو إنسانية أو لأداء شعائر الحج والعمرة أو للاستجمام والراحة، ولاحظوا أن أجمل اللحظات التي لا تُنسى في سفرتهم هي لحظة تناهي صوت قبطان الطائرة إلى مسامعهم وهو يبشِّرهم بسلامة الوصول إلى مطار البحرين الدولي!
نعم، ما أجملها من لحظةٍ حينما يعرف المرء أن قدمه ستحّط على أرضه الحبيبة، وسيعود إليها معززاً مكرماً، فكرامة المواطن في وطنه، خصوصاً أن إجراءات السفر الروتينية في مطارنا تتم في زمن قياسي منقطع النظير مقارنةً مع التدابير المعمول بها في مطارات دول العالم الأخرى، ناهيك عن الابتسامة الرقيقة التي لا تفارق وجه الموظّف المسؤول الذي يختم الجواز، ويتحدّث مع المسافر بعفويةٍ وتلقائيةٍ متمنياً له طيب الإقامة في الحل والترحال. إنها أخلاق البحرينيين البسطاء المجبولين على الطيبة والمودة، فهم دوماً متفائلون بيوم غدٍ أجمل لوطنهم.
إن الحنين إلى الوطن هو شعور فطري لدى الإنسان ينمو في أعماقه كلما شعر بالغربة والوحدة خارج حدود مسقط رأسه، وموطنه، ومنبع الحنان والرعاية لديه. وبالمناسبة، فإن المرادف الأجنبي لهذا المصطلح هو “نوستالجيا”، وهذه الكلمة ذات الأصول الإغريقية تصف النكوص العاطفي باتجاه الماضي، وبالذات نحو زمانٍ أو مكانٍ ترتبط ذاكرة المرء فيه بأشياء سارّة. وتتأّلّف الكلمة من شقيّن، وهما: “نوستوس” وتعني العودة إلى الوطن؛ و«ألجوس” ومعناها الألم، والمغزى أن الرجوع إلى الديار يكون مصحوباً في العادة بالرغبة في التخلّص من آلام الغربة، ومعايشة الأيام الخوالي الحلوة، والتي تندرج ضمنها ذكريات الطفولة السعيدة، والأحلام الوردية.
وقد حاول المختّصون تقصِّي أسباب شعور المرء بوهج الدفء المفاجئ عندما تطأ قدمه أرض وطنه، فوجدوا أن الرائحة واللمس يشكِّلان مثيريّن قوييّن للنوستالجيا، ولذكريات الماضي الجميل، وهذان المثيران يمرّان أولاً عبر الذاكرة الانفعالية في الدماغ، وبالمثل تعتبر الموسيقى أيضاً ضمن المحفِّزات الذهنية على الحنين إلى الوطن. بحريننا، كم نعشقك في حلِّنا وترحالنا!