هل هناك ما هو أكثر إيلاماً من رؤية إخوة لنا في الإنسانية والقومية والدين يقتلون وتنتهك حرماتهم أو يشردون وأطفال في عمر أطفالنا وفي براءتهم يذبحون؟ وما سوريا إلا جرح واحد وغيرها كثير ولن تكون أراكان الأخيرة.
المؤلم أكثر من أي شيء هو الشعور بالعجز وبخذلاننا للضعفاء، وأننا قد نكون مكانهم نستصرخ العالم لإنقاذنا من الإبادة وما من مجيب، والنتيجة مزاج عام مترد، بعضنا يحبط وينطوي على نفسه وكأنه لا يعيش في هذا العالم وبعضنا يتطرف في اتجاه الدين أو الاتجاه المعاكس، وعموماً كلنا نلجأ للتطرف في فكرة المؤامرة لنريح ضمائرنا، نعم نحن ضحايا ظروف ومؤامرات لكن رغم ذلك يجب أن نتحلى بشجاعة الاعتراف بأننا شركاء في كل جريمة اقترفت بحقنا، يجب أن نفصل بين الاثنين فهناك بالفعل مخططات وأطماع وسعي لفرض الهيمنة والتحكم بثروات ومقدرات الشعوب العربية والمسلمة، وهناك مشكلاتنا الذاتية من فساد وضعف وتخاذل وتشتت المواقف وغيرها مما تعاني منه بلداننا.
نحن ضحية لأننا نعيش على المسرح الذي تتنافس القوى العظمى للعب دور المهيمن عليه، لأننا نعيش في سوق مجنون، أكثر بضائعه رواجاً السلاح، وهو سلعة تفوق ضرورتها الغذاء والدواء، حتى الدول التي لا تجد ما تسد به جوع شعوبها تسخر ميزانيات مليارية للتسلح، ولكي يستمر الطلب وتتعالى الأرصدة يجب أن يستمر مسلسل العنف والقتل.
والمستفيد الأول من استمرار الغليان وانعدام الاستقرار هي الدول التي تمد الحكومات بالسلاح أول النهار وتجتمع آخره بجماعات المعارضة لترتب الانقلابات، ثم تبتز الحكومات في النهار التالي لشراء مزيد من السلاح، ثم تدعي أنها لن تزودها بالسلاح لأنها عنيفة ضد معارضيها، لعبة قط وفأر سخيفة سئمناها.
تغزو جيوشهم دولة ذاق شعبها المر لأجيال تحت ادعاء تنظيفها من الدمار الشامل وإحلال الديمقراطية فتدمرها دماراً شاملاً وتسلمها لدمار أشمل، واللعبة التي لعبتها مع نظام بعثي دموي تريد أن تلعبها مع بلد كالبحرين لا يطبق العقوبة إلا بعد استئذان المجرم، وتتوالى التصريحات يوم إدانة للحكومة لأجل ابتزازها، ويوم إشادة بالإصلاح معروفة لعبة السفارات في دولنا والسفارة الأمريكية تحديداً، وكم من شعوب خدعت بالحلم الأمريكي وتعيش اليوم أوضاعاً أسوأ مما قبل «تحريرها».
والطامة الكبرى أن دماء العرب والمسلمين تسيل أنهاراً ويأتيك مسؤول إيراني ويستفز دول الخليج ويرسل إشارات عدائية صارخة ضد البحرين، ولا يكفي هذا العبث ليأتي المرتزقة الذين يعتاشون على استمرار الاحتقان؛ فمن يشتم الصحابة ويتعدى على السنة ومن يستهزئ بالشيعة ويتطاول على معتقدهم في دوامة عبثية من البذاءة، ونحن -ماشاء الله علينا- سياسة (فرق تسد) لم تثبت فشلها معنا ولا مرة، ننجرف وراء موروثنا الثقافي الهزيل في فن إدارة الخلاف من خلال إبادة المخالفين، وأنا لا ألوم الغرب ولا الصين ولا روسيا، للأسف هم يعرفوننا جيداً ويتعاملون معنا مثل فئران التجارب التي تكرر نفس الحركة بذات البلاهة كلما تعرضت لذات المؤثر ولا تتعلم أبداً.
نحن سوق سلاح ممتاز من أيام داحس والغبراء، ولم نزدد إلا تشبثا بالقبلية والطائفية والفوارق، فكيف نلوم غيرنا إذا استمر -ما استطاع- في استفزاز العداوات والفتن والنزاعات حتى يبيد بعضنا بعضاً وننقرض، وهؤلاء القوم يعرفون تماماً كيف يغذون النزاعات عن بعد ويلعبون على الأوتار الحساسة ثم يديرون الحروب بالوساطة ويتفرجون.
علاوة على سمة فئران التجارب وبطء التعلم المرضي فإننا قوم ذاكرتنا قصيرة فيما يتعلق بدمائنا، قتلونا في البوسنة ويقتلوننا في أراكان ويذبح أطفالنا كل يوم في سوريا على يد طاغية القرن وتستباح كل الحرمات ولا داعي لأن نتكلم عن فلسطين، فلسطين كل دورها في حياتنا بضع صفحات في كتاب التاريخ الذي نتخلص منه نهاية العام الدراسي، لا نفعل أي شيء لحقن الدم ولا لرد الكرامة .. والغريب أننا -دوناً عن كل الشعوب- كل كلمتين ونص نأتي على ذكر كرامتنا.
من المضحك الصراع المفتعل بين السنة والشيعة ومن المضحك أننا مازلنا نؤمن أن كل تفجير في مسجد أو حسينية هو بالضرورة عداء تاريخي بين الطائفتين، ونغفل عن المستفيد الأكبر ودهائه وتاريخه في تمويل التطرف وإشعال الفتن وقدراته الاستخباراتية وعدائه الأيدلوجي تجاهنا، من المضحك أن نعتقد ببراءة أمريكا وإسرائيل تحديداً من الفوضى التي لا تفتر ولا تتوقف، ولو أنني أؤكد وأكرر أننا شريك رئيس فيها.
المشكلة أننا نقول هذا الكلام كل يوم، نحن نعرف أننا لعبة القوى العظمى، ونعرف من المستفيد من خلافنا واقتتالنا، ونعرف أن دمنا رخيص لكننا لا نتدخل في تسعيره وكأنه لا يعنينا، نقتتل بسبب فوارق هامشية ونسكت عن قتل إخوان لنا، لا نحن بقادرين على احتواء مشكلاتنا ولا الالتفات للدم العربي والمسلم المسكوب في كل مكان؛ صدق من قال إن «حالتنا حاله