بعيداً عن افتراضات التدخل الإقليمي والدولي فإن الحقائق التي صارت مكشوفة يوماً بعد آخر تؤكد أن المتورطين في أزمة 2011 كانوا أجانب وليسوا بحرينيين، رغم أنهم يتمتعون بالجنسية البحرينية. قد يبدو مثل هذا الطرح فنتازياً إلى أبعد الحدود ومبالغاً فيه، ولكنني أعتقد أنه مهم لنفهم علاقة الشخصيات التي تحمل جنسيات مزدوجة في النظام السياسي، فمثل هذه الشخصيات عندما نالت الجنسية الأجنبية -غير البحرينية- بقصد أو من دون قصد، أدركت جيداً إمكانية الاستفادة من هذه الجنسية في ظل وجود ثغرات قانونية في القوانين البحرينية لا تنظم بشكل دقيق ازدواجية الجنسية. لذلك تورطت هذه الشخصيات ببراعة في أحداث 2011 لتظهر كأنها قيادات سياسية تطالب بالإصلاح السياسي والديمقراطي والحريات والحقوق، وما ساعدها على ذلك ثورات الربيع العربي التي حاولت استغلالها بشكل فاشل جداً. فإذا قمنا بتحليل بسيط سنكتشف أن معظم المتورطين في أحداث 2011 يحملون جنسيات مزدوجة، وغيرهم تأثروا بهم وانساقوا وراءهم لأسباب متنوعة. واللافت أن هذه الشخصيات السياسية التي تحمل جنسيات مزدوجة هي التي كانت الأكثر تطرفاً خلال الأحداث مقارنة بغيرها، والأسماء كثيرة، وأيضاً هذه الشخصيات التي طرحت الأجندات الأكثر راديكالية مقارنة بغيرها (إسقاط النظام، وإعلان الجمهورية، ورحيل مكونات المجتمع.. إلخ). وفي ضوء ذلك استطاعت هذه الشخصيات استغلال الجنسية الأجنبية إدراكاً منها بأنها تتمتع بحصانة بسبب جنسيتها الأجنبية، بالإضافة إلى أن محاسبتها وملاحقتها قانونياً ستؤدي إلى إثارة الحساسية في علاقات البحرين الإقليمية والدولية. جميع ما طرح أعلاه حقيقة، ولكن إلى أي مدى ساهمت كان للبعد الدولي أهمية؟ وهل حرصت الحكومات الأجنبية للدفاع عن مواطنيها الذين يحملون جنسيات مزدوجة وتورطوا في أحداث البحرين؟ إذا راقبنا تطور ردود الأفعال الدولية بشأن المحاكمات القضائية للشخصيات التي تورطت في الأحداث، سنجد أن اهتمام الحكومات الأجنبية لم يكن مباشراً وفورياً. بل تدرج حسب الآتي: أولاً: صمت وهدوء، ثانياً: مراقبة ومشروع اهتمام، ثالثاً: تصاعد الضغوط على الحكومات الأجنبية، رابعاً: اتخاذ الموقف الرسمي، خامساً: التحرك الرسمي لاتخاذ إجراء معيّن. المرحلة الأولى تزامنت مع إعلان حالة السلامة الوطنية، وخلالها لم تتحرك حكومات دول مثل كندا أو السويد أو الدنمارك للدفاع عن مواطنيها المتورطين في الأحداث، ولذلك التزمت الصمت والهدوء. أما المرحلة الثانية اتسم سلوك الحكومات الأجنبية بالمراقبة وبداية الاهتمام وتزامن ذلك مع بدء المحاكمات التي كان يهمها بالدرجة الأولى أن تكون محاكمات مستقلة ونزيهة وعادلة، وهو ما تأكدت هذه الحكومات منه عندما كان الدبلوماسيون وممثلو منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية في مقدمة حضور مختلف المحاكمات. المرحلة الثالثة تقوم على حقيقة مهمة، وهي أن تحركات الحكومات الأجنبية للدفاع عن الأجانب المتورطين في أحداث البحرين لم تتم بدوافع ذاتية، وإنما جاءت بضغوط إعلامية وضغوط مؤسسات المجتمع المدني البحرينية التي أدارت حملة في الدول الأجنبية من أجل تكوين رأي عام دولي يدافع عن المتورطين الأجانب في أحداث البلاد، وهو ما أدى في النهاية إلى المرحلة الرابعة لتتخذ فيه الحكومات الأجنبية مواقف رسمية تجاه تورط بعض مواطنيها في أحداث البحرين. المرحلة الخامسة تتعلق بالتحركات الرسمية التي قامت بها بعض الحكومات الأجنبية من أجل الدفاع عن مواطنيها الأجانب الذين تورطوا في أحداث البحرين سواءً كانت في شكل تصريحات أو تبادل رسائل رسمية أو إيفاد الوفود للمنامة. النقطة الأهم في هذا التحليل هي مسألة المصداقية، فالحكومات الأجنبية تدرك أن مواطنيها مزدوجي الجنسية تورطوا في أعمال إرهابية، وهي بإمكانها أن تقف معهم وتدافع عنهم إلى حد معين يصل في حده الأقصى إلى ما قبل المساس بالمصالح مع حكومة المنامة الذي قد يكون مساساً بمصالحها مع دول مجلس التعاون الخليجي.