منع التجمعات التي يبيحها القانون من قبل وزارة الداخلية والذي تكرر أخيراً أمر لافت وهو في نظر البعض غريب وفيه تجن بينما يراه بعض آخر عين الصواب وأن المرحلة تتطلب عدم الاستجابة لطلبات إقامتها. أما المتحمسون لمثل هذا الإجراء فيرون أن الخروج في مظاهرات ومسيرات وتنظيم الاعتصامات بهذا الكم صار يؤثر سلباً على حياة الناس ويربك البلاد وأنه قد يكون هدفاً لإقناع المنظمات العالمية التي بدأت تتغير مواقفها تجاه ما يصلها من أخبار عن البحرين بأن البحرين تواجه “ثورة” وأن الاستقرار غائب عنها بدليل كثرة الاحتجاجات و«المظاهرات المليونية”! وأما المتحفظون الرافضون لقرارات الداخلية تلك فيرون أنها تحرمهم حقاً يبيحه القانون حيث القانون لا يلزم الراغبين في إقامة التجمعات سوى إشعار الجهات المعنية بوقت ومكان التجمع وأن دور الداخلية ينحصر في توفير الظروف المناسبة لإقامة التجمع، وهؤلاء يرون أن وزارة الداخلية بمنعها تنظيم تلك التجمعات إنما تحرمهم من حق وتتجاوز صلاحياتها.
ما أعرفه هو أن وزارة الداخلية لا ترفض تنظيم التجمعات طالما أن القانون يبيحها وإنما تقوم بدراسة الموقع الذي تم اختياره مكاناً للتجمع وأنها إذا تبين لها أن نسبة المتضررين من ذلك النشاط أكبر من نسبة المشاركين فيه فإنها تبلغ الجهة صاحبة الإشعار بأن عليها أن تغير المكان وتقترح مكاناً آخر، فالداخلية تتحفظ أحياناً على بعض الأماكن التي يتم اختيارها لإقامة التجمعات لأنها تدرك أنها تعطل حياة الناس أو تشكل خطورة عليهم.
هذا يعني أن الداخلية لا ترفض إقامة التجمعات التي لا يمنعها القانون ولكنها تهتم بالأمور التنظيمية لأن من واجبها أن توفر الأمن للآخرين الذين لا علاقة لهم بالتجمعات تلك، بالإضافة إلى واجبها في توفير الأمن للمشاركين في التجمعات. وبالتالي إذا تبين للداخلية أنها دون أن تتمكن من ضمان توفير الأمن للجميع أو أن الفعالية المقترح تنظيمها تتسبب في تعطيل حياة الناس وإرباك الشوارع فإنها تلجأ إلى القانون لتطبقه فتمنع إقامة تلك الأنشطة في تلك الأماكن في تلك الأوقات، لكنها بالتأكيد لا تعطل قوانين تبيح للمواطنين تنظيم التجمعات.
هذا الأمر ينبغي الانتباه إليه من قبل راغبي إقامة التجمعات بأنواعها، وهم بالتأكيد ليسوا غافلين عنه ولكنهم “يركبون رؤوسهم” أحياناً ويصرون على تنفيذ تلك التجمعات في الأوقات والأماكن التي قرروا إقامتها فيها وكأنهم يقولون للداخلية “نحن لا نعترف بك.. وسنقيم الفعالية غصباً عنك”، وهو أمر بالتأكيد غير منطقي وغير واقعي ويتسبب في حدوث المواجهات بين أناس خرجوا للتعبير عن مواقفهم ومطالبهم بسلمية وبين رجال الأمن الذين يؤدون مهمتهم المنحصرة في توفير الأمن للجميع، بالإضافة إلى التسبب في إرباك حياة الآخرين ممن لا علاقة لهم بما يجري سواء كانوا مواطنين أو مقيمين.
ما يتسبب في حدوث المواجهات هو إصرار ذلك البعض على إقامة التجمعات في الأماكن والأوقات التي يريدونها وهو ما لا يمكن لأي سلطة أن تقبل به خاصة في حال توفر القانون الذي ينظم مثل هذه الأمور. الإصرار يعني التحدي ويعني إلغاء الطرف الآخر ويعني أن الآخرين جميعهم لا قيمة لهم عند منظمي تلك التجمعات ويعني أنهم يهدفون إلى حصول تلك المواجهات ربما كي تصير أخباراً تعين تلك الفضائيات وعلى رأسها السوسة الإيرانية على تأكيد ادعاءاتها بأنه لا استقرار في البحرين وأنه لا بد من تدخل المنظمات الدولية في شؤونها وصولاً إلى تدخل إيران بشكل مباشر.
في كل بلاد العالم يوجد قوانين تنظم إقامة التجمعات ويوجد أناس يلتزمون بتلك القوانين، فإذا تبين أن القانون في البحرين لا يمنع التجمعات ولكنه ينظمها فإن الإصرار على إقامتها في أماكن مزدحمة يعني أن لها هدفاً آخر خفياً.