في ذروة أحداث الربيع العربي خلال الربع الأول من العام 2011 انتشرت الكثير من النكات عبر شبكات التواصل الاجتماعي على التطورات في الدول العربية، ومنها نكتة تقول إن اجتماع القمة العربية المقبل سيكون لقاء تعارف بين القادة العرب!
هذه النكتة -رغم طرافتها- فإنها تحمل دلالات سياسية هامة لم ينتبه لها الكثيرون في تلك الفترة، ولكن الوقت حان لإعادة التفكير جدياً في مضمون النكتة التي كانت تشخّص العلاقات العربية ـ العربية. النكتة هنا تقدم فرضية، وهي أنه لا توجد علاقات بين النخب العربية التقليدية القديمة، وبين النخب الجديدة التي وصلت للحكم في دول الربيع العربي، وعليه فإن هناك حاجة لإعادة رسم وتشكيل هذه العلاقات من جديد. هل فعلاً الدول العربية بحاجة لإعادة تشكيل علاقاتها؟ وهل دول مجلس التعاون الخليجي بحاجة لذلك، والبحرين على وجه الخصوص؟
بداية لابد من الاعتراف بأن الأنظمة العربية في دول الربيع العربي لم تتغيّر حتى الآن، والنظام لم يسقط، بل من سقط هو النخب الحاكمة. وحتى عندما صعدت نخب جديدة لسدة الحكم عبر صناديق الاقتراع فإنها لم تتمكن حتى الآن من تغيير النظام السياسي، لأنها عملية شاقة وتستغرق سنوات ليست بالقليلة، وهذا ما سنتابعه خلال السنوات المقبلة.
من الوهلة الأولى يمكن قراءة الحذر البروتوكولي بين النخب التقليدية الحاكمة من جهة، والنخب الجديدة الحاكمة من جهة أخرى. ولكن حتى الآن لم تظهر أية اختبارات جدية بين هذين النوعين من النخب رغم التطورات المتسارعة التي تشهدها المنطقة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية شهدت العلاقات بين دول الربيع العربي والولايات المتحدة اختباراً حقيقياً لم تنته تداعياته حتى الآن. ولكن على مستوى العلاقات العربية ـ العربية، فإنه من غير المتوقع أن تكون هناك أزمة حقيقية في العلاقات على المدى القريب، وسبب ذلك حاجة دول الربيع لدعم النخب العربية التقليدية ومثالها بلدان مجلس التعاون الخليجي. فالتداعيات المالية والاقتصادية لتغيير النخب الحاكمة السابقة كانت مكلفة جداً، والنخب الجديدة تدرك ذلك، وتدرك أهمية عمقها الاستراتيجي مع دول الخليج على وجه الخصوص.
ولكن الخطورة تكمن في مرحلة استقرار النخب الجديدة الحاكمة في دول الربيع العربي، إذ من الطبيعي أن تتراجع حاجتها لدول الخليج، وفي ظل وجود امتدادات تنظيمية بينها وبين بعض الجماعات السياسية الخليجية، فإنه من المحتمل أن تظهر هناك أزمات بسبب دعم النخب الحاكمة في دول الربيع العربي بعض الجماعات السياسية لأغراض أيديولوجية، وهو ما يدفع إلى إحداث الأزمات المتوقعة. الحل يكمن في الاعتماد على تكوين الحاجة المستمرة للمصالح في السياسات الخارجية الخليجية تجاه بلدان الربيع العربي.