في عام 1930 وتحديداً في مصر، أسس الفنان الراحل زكي طليمات جمعية أطلق عليها مسمى “جمعية الحمير”.
الهدف من تأسيس الجمعية كان بغية إيجاد مسرح مصري مستقل بعيداً عن تدخل السلطة آنذاك في الشئون المسرحية. الجمعية رفعت شعاراً لها “الحمار”، ووضعت على رأس أهدافها ضرورة الدفاع عن هذا الحيوان “الصبور”!
قد يتساءل البعض بشأن “المجنون” الذي سيقبل أن يكون عضواً في هذه الجمعية التي نصبت الحمار شعاراً لها، خاصة وأن نظرة الناس للحمار تفيد بأنه حيوان غبي يتم التندر به.
في “جمعية الحمير” المصرية كان الأعضاء من كبار الأدباء والكتاب والصحفيين والفنانين، وعلى رأس هؤلاء كان كل من طه حسين وتوفيق الحكيم والعقاد.
المثير أن الجمعية كانت تمنح أعضاءها رتباً لا أتوقع بأن أي “بشري” سيقبل بها؛ إذ بحسب فترة العضوية يتم تحديد الرتبة، فمثلاً العضو الجديد يمنح رتبة “جحش”، تليه رتبة “حمار صغير” ثم “حمار كبير”، حتى الوصول للقب “الحمار الأكبر” الذي يمنح لرئيس الجمعية، واللقب الأخير حمله كل من المؤسس زكي طليمات وبعده الفنانة نادية لطفي ووزير الصحة المصري الأسبق محمود محفوظ.
الجمعية وصل عدد أعضائها إلى 30 ألف شخص وأنشأت لها فروعاً في العديد من الدول العربية والأجنبية، ووصل الأمر بأحد أعضائها وهو الفنان التشكيلي رشيد إسكندر الذي أسس فرعاً للجمعية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى كتابة عمود في إحدى الصحف العربية هناك مذيلاً إياه بتوقيع “الحمار”!
كثير من الكتاب كتبوا عن هذه الجمعية، بعضهم تولى الدفاع عن حقوق الحيوان بالأخص الحمار المظلوم تاريخياً. الكاتب ناجي العلي كتب مقالاً ذات يوم بعنوان “أريد أن أكون حماراً!” مستعرضاً مشوار الحمار التاريخي في مرافقته للإنسان في مختلف الحضارات، وبين أنه -أي الحمار- كان محوراً لكتابات أدبية وقصص لكبار الكتاب مثل توفيق الحكيم الذي اعتبر الحمار كائناً مقدساً وتغزل في صفاته في بعض رواياته مثل “حمار الحكيم” و«حماري والطوفان”.
ناجي العلي سرد صفات الحمار، وقال إنه مثال الصبر والوفاء والهدوء والتواضع، واعتبره حيواناً ذكياً، ودلل على ذكائه بأنه رافق الإنسان طوال المشوار الطويل من حقب الحضارات دون أن يتشبه به! بل اعتبره كائناً مثالياً، ومثالاً صارخاً على الكد والمثابرة دون الحاجة لأن يتهاون في العمل أو يقبل بالرشوة. بل هو طرح تساؤلاً يبعث بالضرورة على الضحك للوهلة الأولى حينما قال وتساءل: “الحمار أكثر الحيوانات أمانة، فهل وجدتم حماراً يسرق؟!”.
سؤال يفرض التمعن، وتكفي محاولة إسقاط الصفات هنا على الواقع البشري بأن تدخلنا في حالة “خلخلة دماغية”، إذ أيعقل أن بعض البشر وصلوا لمستويات أدنى من الكائنات الأخرى؟!
في حين لا يسرق الحمار، هل يعقل بأن من يملك عقلاً وضميراً ويتحكم في تفاعلاته مع المجتمع يسرق؟!
وحين يعمل الحمار بكد وجهد دون تصدر عنه “نهقة” اعتراض واحدة، هل يعقل بأن الإنسان يصل لمرحلة يريد فيها أن يجني مقابلاً مجزياً وهو لا يقوم بعمله بإخلاص وضمير؟! مع الفارق بأن مكافأة الحمار لن تتجاوز رزم حشائش وأعلاف، وفي بعض الحالات تكون المكافأة عكسية بالسياط والضرب!
في هذا الزمن، يراد للإنسان أن يترفع عن الصفات السيئة وأن يرتقي في كافة تعاملاته وتصرفاته، لكن هناك شرائح لا تقوى على الوصول حتى لمستوى بعض صفات الكائنات الأخرى. تصل لمرحلة ينبهر فيها الناس لما يرونه ويسمعونه ويقفون عليه من حالات فساد وكذب وخداع تدفعهم للتساؤل عما إذا كان صعباً “بالفعل” على البعض أن يقارع الكائنات الأدنى رتبة منه في الخصال والصفات الحميدة؟!
أهي رحمة لهذه الكائنات بأنها لم تمس حتى الآن بعدوى الصفات البشرية الخاطئة، والتي لو عملت بها فإن “ثورة حيوانية” ستقوم بالتأكيد هدفها رفض الارتقاء لمستوى البشرية بسبب تصرفات بعض البشر؟!
قد يسأل أحدهم هنا ويقول: أتقصد بأن الحمار قد يكون أحياناً أفضل من الإنسان، وهذا ما دفع النخبة التي ذكرتها في مصر لتأسيس جمعية للحمير؟!
نقول هنا إن الناس بأنفسهم قد يلحظون وبكل سهولة بأن كثيراً من البشر يصلون بتصرفاتهم وأفعالهم وأقوالهم لمراحل لا يقنعونك فيها أصلاً بأنهم من “جنس البشر”!
بالتالي الإجابة تكمن في صلب السؤال!