نعرف تماماً كم هو مزعج لدى الكثير من المسؤولين حينما نأتي لنقارن وضع المواطن البحريني بنظرائه في الخليج. حفظنا الإسطوانة التي تقول بأن البحريني لديه مميزات خاصة به! وبغض النظر عن هذه “المميزات” فإن الأخيرة متوفرة في كل دولة؛ إذ الفروقات توجد، لكننا حينما نأتي لنقارن وضعية المواطن وتحديداً الموظف في الدوائر الحكومية بنظرائه في الخليج من ناحية الراتب على وجه التحديد نجد الفارق كبيراً، بل مخيفاً جداً.
السؤال الذي يتكرر كل يوم على لسان المواطنين، ويزعج بعض المسؤولين سماعه للأسف رغم أنه واقع حال الناس، هو: لماذا لا يكون وضع المواطن البحريني مثل نظيره الكويتي أو القطري أو الإماراتي على سبيل المثال؟!
ليس طرح السؤال جريمة، بل عدم التمكن من إجابته بشكل واضح وصريح هو ما يزعج المواطن ويعتبر ذلك جريمة “معلوماتية” في حقه، ويجعله يفقد الأمل بالتالي بشأن حلم مقاربته لوضع نظرائه في الخليج.
لست أتحدث هنا عن “وضع” كبار المسؤولين ورؤساء الهيئات شبه الحكومية وأصحاب البدلات والعلاوات.. إلـخ، هذا في حال خرج أحد وقال بأن لدينا وظائف شاغلوها يحصلون على أجور مجزية، فلماذا المقارنة الظالمة؟! لكنني أتحدث عن الوظائف العادية وبمقارنة وضعها في دول جارة بوضع شاغليها لدينا في البحرين.
على سبيل المثال المدرسين هنا كم تبدأ رواتبهم، والمدرسين في الكويت مثلاً كم تبدأ رواتبهم، وقيسوا على ذلك في قطر والإمارات؟!
ما الذي يمنع المواطن البحريني من أن يقارب وضعه وضع الآخرين من أشقاء في الخليج، خاصة مع الوضع في الاعتبار أن البحرين دولة نفطية، أليس كذلك؟!
الدولة تقر زيادات للمواطنين بين الفترة والأخرى، ومع ذلك فإن المواطن لا يحس بالفرق بسبب موجة الغلاء و«تضرب” التجار في السوق مع مجرد إعلان وجود زيادات، هذه الزيادات التي لا تصل حتى لنسبة الـ50%، لكن رغم ذلك وقبل أن تنزل الزيادة تجد قانصوها في السوق قد أعدوا العدة لسحبها من الناس.
مجلس النواب يتحدث عن زيادة في الرواتب بين الفينة والأخرى، بل رفع الرواتب شعار مشترك في البرنامج الانتخابي لكل نائب منذ بدأ العمل في البرلمان من عشر سنوات، ورغم ذلك نجد أن المجلس لم ينجح في منح المواطن زيادة مؤثرة وحقيقية، بل المجلس هو نفسه يعاني من صرف علاوة الغلاء للمواطنين، حتى بات كثير منهم لا يريد هذه العلاوة واعتبروها علاوة “مذلة” للأسف.
اليوم حينما نتحدث عن “المارشال” الخليجي، وعن مبلغ العشرة مليارات، نجد أن مسألة رفع الرواتب خارج الحسبة، إذ كل وزارة أعدت عدتها من مشاريع في قوائم طويلة بانتظار الحصول على نصيبها من المبالغ الضخمة.
ليس عيب أو خطأ أن نعمل على تحسين الخدمات في الدولة وتوفير الأفضل للناس، لكن من المهم جداً أن يكون التفكير في المواطن بشكل جدي أكبر بحيث يكون هناك تغيير جذري بشأن مدخوله الشهري على أقل تقدير.
الرؤية الاقتصادية 2030 تقول في مضامينها بأنها ستصل براتب المواطن ليتضاعف إلى ثلاث مرات، وهنا لسنا نتحدث عن طموح بقدر ما نتحدث عن هدف حددته الرؤية يفترض العمل على تحقيقه، بيد أننا لو نظرنا “واقعياً” لبعض الأعمال والوظائف سنجد أنه منطقي بل طبيعي جداً أن تتضاعف هذه الرواتب لتصل للنسبة الموعودة خلال 30 عاماً! لو سلمنا بأن الموظف لم يعان من تسلط إداري أو إجحاف من المسؤول المتنفذ وتحصل على علاواته وزياداته السنوية وترقياته بحسب كفاءته، بالتالي ألن يصل لمضاعفة راتبه مرتين خلال ثلاثة عقود؟!
الحديث هنا عن القفز بوضع الناس، نعم “القفز” برواتبهم مثلما يحصل في الدول الأخرى، وهنا لا تلوموا المواطنين إن غبطوا إخوانهم في الخليج بل وصلوا لمستوى حسدهم، إذ بين الفترة والأخرى يسمعون عن مضاعفة رواتب “أكرر مضاعفة رواتب”، وإعفاءات من قروض، وزيادات مجزية، في وقت هم يطالعون وضعهم ويرون مجلس النواب عاجزاً عن توحيد كلمته بشأن هذه القضية ويرون في المقابل المسؤولين المعنيين يلفون ويدورون كلما جاء الحديث عن رفع رواتب الناس.
قبل سنوات قفز سعر برميل النفط لمستوى قياسي، ومع ذلك لم يحس المواطن بذلك لأن شيئاً لم يطرأ على تغيير وضعه، لم يحس بزيادة تدخل جيبه، ولا تلوموا الناس هنا وتقولون بأن نظرتهم مادية بحتة، إذ غلاء المعيشة كشر بالفعل عن أنيابه، وباتت الحياة قاسية للكثيرين، فتخيلوا ماذا يمكن أن يفعل رب أسرة راتبه لا يصل لخمسمائة دينار؟! والله أدرك جيداً بأن بعضكم يضحك الآن ويقول “الله يهديك” حتى الألف باتت تطير كما يطير “ريش الدجاج” ولا أثر لها حتى قبل أن ينتصف الشهر.
لسنا نتحدث هنا عن المسألة لمجرد الحديث، بل نتحدث من منطلق أن هذا الوضع يفترض أن نفكر جدياً في تغييره، إذ ما يحسه المواطن بأن الموضوع ليس أبداً على سلم أولويات الدولة وليس أبداً على سلم أولويات النواب حتى.
بعض المواطنين حينما يتحدثون عن هذه المسائل يقولون بأن الأفضل أن يبحث البحريني عن وظيفة له في إحدى دول الجوار أقلها لن يضطر للعمل بنفس المقابل المادي الذي يتقاضاه والذي لا يتحرك إلا بواقع حفنة دنانير كل عام.
نجيبهم ونقول: “من طلع من داره قل مقداره”، رغم أن هذا المثل لا يصح في بعض الأحيان، وتعرفون ما نقصد!
خلاصة القول بأن الحديث اليومي عن “المارشال الخليجي” ومبلغ الدعم الكبير، يدفع المواطن البحريني بالضرورة للسؤال عن موقعه من الإعراب، يجعله يكرر الحديث عن وضعية مدخوله الشهري وهل سيؤثر مبلغ الدعم في راتبه بما ينعكس إيجاباً على وضعه المعيشي؟!
لا أريد أن أحبط الناس هنا، لكن مع استقراء المعطيات الأولية من حديث مسؤولين ونواب بشأن هذا “المبلغ المارشالي الضخم”، لا نجد سوى إجابة واحدة تتمثل بأن “مشوا بوزكم” مع الاحترام الشديد جداً للمواطن البحريني “الحالم”.