أخي في الوطن السيد علـي.. تحيـة طيبـة وبعـد
رسالتك تلخيص للعديد من الأفكار المتداولة التي نرى أثرها في وسائل التواصل الاجتماعي وهي تتكرر عند قطاع كبير من الشباب بمعنى أنك لست وحدك من يفكر بهذا المنطق ويطرح هذه الأسئلة المترتبة على منطقه الذي قاس به الأمور، ودعني أتناول أولاً هذا المنطق ثم أعود للنقاط التي ذكرتها، لأن تحليل المنطق يقرب لك طريقة تفكير من هو أمامك وتفهم كيف يفكر وكيف يحسبها وكيف يصل إلى استنتاجات ويغنيك عن الإجابة عن العديد من تساؤلاته.
أول سمات هذا المنطق الذي قست به الأمور هو ذلك اللاشعور بذلك التناقض رغم كونه صارخاً، فهو منطق يرى في الباكستاني إنساناً أجنبياً (حسب ما جاء وصفك في الرسالة لرجل الأمن) ثم تختفي الأعجمية فجأة حين يأتي ذكر الفارسي، وفجأة وهنا فقط تتذكر قول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام “لا فرق بين أعجمي أو عربي إلا بالتقوى”، ولا تنتبه أن كلمة (أعجمي) هنا لا تعني فارسي، بل تعني غير العربي يعني حتى الأمريكي يعد أعجمياً، وبالتالي المنطق الذي تريدنا أن لا نفرق من خلاله بين العرب والفرس يتلاشى عندك أخي الكريم حين يتم الحديث عن الباكستانيين ولا يستحضر في حين أن الاثنين أعجميان ولا شيء يفرق بين الاثنين سوى مذهبهما في هذه الحالة، فرجل الأمن ذو الأصول الباكستانية في أجهزة الأمن البحرينية هم من السنة، لذلك يعدون أغراباً وأجانب بالنسبة لك أخي العزيز، في حين أن الفارسي ليس غريباً بالنسبة لمنطقك وتطالبنا بمساواتهما بالعرب، وذلك طلب مشروع وإنساني وإسلامي، إنما لسنا وحدنا الذين نفرق هذا إذا سلمنا أننا نعادي الفرس أو نبغضهم وذلك ليس صحيحاً، إنما تجاوزاً سنسلم لك بأننا نملك شعوراً عدائياً للفرس، فأنت معنا إذاً في التفرقة لكنك لا تشعر.
أخي العزيز حين ننظر لمساطرنا التي نقيس بها أمورنا ونعيد النظر بموازيننا وبمعاييرنا صدقني ستتغير نظرتنا للأمور، والمسطرة الإسلامية التي قربت لك الفارسي ما كان واجباً أن تبعد عنك الباكستاني، لولا أن المسطرة كانت مذهبية وليست إسلامية.
المسطرة الثانية التي قاست لك الوضع في البحرين على أن هناك (احتلالاً) أجنبياً مسلحاً هي مسطرة -اسمح لي- لا تنتمي إلا لأفلام الخيال، فأين تعيش أخي العزيز؟
الغريبة أنك ذكرت أخي سيد علي أنك تبلغ من العمر 34 عاماً وتعمل أخصائياً -لن أذكر الوزارة- وهما عاملان يكفيان وحدهما لنزع العذر عن أي تفكير خارج نطاق المنطق والعقل، خصوصاً أن مجال عملك وتخصصك علمي.
لذا فإنني أتساءل إن كنت مصدقاً فعلاً بأن البحرين خاضعة “لاحتلال” أجنبي نتيجة وجود قوات نظامية لها أصول باكستانية مثلاً أو يمنية أو غيرها؟ فإن كنت كذلك فلا عجب أن تجد المبرر لمن يتحرك في الشارع متصادماً مع رجال الأمن لأنه وفقاً لمسطرتك المنطقية يجاهد من أجل تحرير البحرين من الاحتلال المسلح؟!
قد نستخدم التعبير بشكل مجازي أحياناً دلالة على اكتساح جنسية أو احتلال عنصر ما، كأن نقول احتلت النساء كل الوظائف الشاغرة في هذا القطاع، وهذا تعبير مجازي يدل على زيادة أو انتشار أو طغيان عنصر ما على موقع ما، لكن يبدو أنك لا تستخدمه مجازياً وهذه أم المشاكل، فإن صدق من عمره ثلاثين ومن يحمل شهادة علمية ويعمل أخصائياً بأن البحرين خاضعة لاحتلال فلا عجب أن نرى المراهقين يخرجون كل يوم (مجاهدين) لتخليص البحرين من هذا الاحتلال!!
المسطرة الثلاثة هي المقولة المتكررة عند كل من نجادلهم بأن ما حدث كان تعبيراً عن الرأي، وخلافنا يأتي من هنا وشرحنا المتكرر كان يدور دائماً حول هذه النقطة بأن ما حدث ليس مجرد تعبير أو أقوال، فهذه الأقوال التي ترددت في فبراير وفي الدوار، قيلت وعبر عنها طوال السنوات العشر السابقة، ولم يكن هناك رد فعل أمني عليها، قالوها الواحد والعشرون الذين يحاكمون الآن طوال السنوات السابقة ومارسوا حياتهم طبيعية دون أن يمسهم أحد، سافروا وعادوا وعملوا وتاجروا وبعضهم ترشح في الانتخابات وبعضهم اعتلى المنابر الدينية وغيرهم عقدوا الندوات وكل حقوقهم كانت مصانة، فالتعبير لم يستدع ردة فعل أمنية، خلافنا أخي العزيز بأن ما حدث تجاوز حق التعبير ودخل المحظور، وهو محاولة التغيير “بالقوة” لا بالتعبير، فأحداث العنف التي تمت هي التي استدعت التدخل الأمني.
الغريب أخي العزيز أنك اعترفت بوجود عنف في رسالتك وهي أعمال حذرت أنت منها الوفاق حسب ما تقول، لكنك تتجاوز هذه النقطة إلى ما بعدها وكأنها آلية تفكير أوتوماتيكية لا تقف عند المحاسبة الذاتية ولا تقف عند الذنب الذاتي، هذا العنف اعترفت به في رسالتك ربما في لحظة تجلي نادرة، ثم عدت وغاب عنك المنطق العقلاني وأرجعت رد الفعل الأمني على أنه قمع عنيف لمجرد (تعبير)!
تلك الأفعال هي التي استدعت تدخل الأمن والتعامل مع الحدث على أنه محاولة تغيير “بالقوة” وليس بالتعبير، والتعامل الأمني وإن اتسم بالعنف الذي أقرت به الدولة أيضاً إلا أنه لم يكن رداً على حرية تعبير كما ترددون وكما توهمون أنفسكم، بل رداً على محاولة قلب وتغيير وإسقاط نظام الدولة الدستوري بالعنف وبالقوة وبالترهيب، العنف الذي مورس من قبل جمهور الوفاق أو جمهور حق أو وفاء لا يهم فالتضامن موجود بين هؤلاء.
العنف الذي حذرت أنت الوفاق منه كان هو الشرارة الأولى التي أطلقت كل ردود الفعل التي تلتها؛ سواء من الإعلام أو من الأمن أو من رجل الشارع أو من أي إنسان كان خارج الدوار، وهم لا يقلون عن نصف أهل البحرين، كل ما حدث بعدها كان تبعات، كان صدى، كان ردة فعل، ولم يكن بادئاً أبداً، العنف الذي رأيته أنت وأنكرته على الوفاق واختلفت مع الوفاق حوله هو ما حرك كل ما تعترض عليه لاحقاً، وبعض ردود الفعل تجاوزت المشروع لكنها في النهاية رد فعل لا فعل.
فمن يحاسب الفعل اليوم؟ الغريب أخي العزيز كم هي ضيقة هذه الدائرة التي تدورون فيها ولا تتسع إلا لرؤية يتم تداولها فيما بينكم وتظلون تمضغونها دون النظر إلى من هم، وإلى ما هو خارج هذه الدائرة.
فإلى هذه اللحظة لا أحد يرى أن شيئاً ما حدث في الشارع أدى إلى كل هذه التبعات، إلى هذه اللحظة تتداولون الحديث عن وهم المظلومية بلا محاسبة للذات.
إن المنطق الذي تدار به هذه الأفكار هو الذي يقيس الأمور انطلاقاً من إنكار الذنب وعدم محاسبة النفس رغم وجود الرغبة وصدقها ولكن الشعور بالمظلومية يفقدك المنطق العقلاني الذي يبحث عن الخلل داخل النفس، فلا ترى تناقضاً في قياسك بين الفارسي والباكستاني، وترى أن البحرين محتلة ولا تقف تحاسب الفعل بل تقف عند ردود الفعل، بل وصل الأمر إلى إلقائك بمعلومة وكأنها مسلمة لا تحتمل النقاش وهي أن المملكة العربية السعودية هي التي تمنع أو لا تسمح بأي خيار سياسي يختاره شعب البحرين!!! لحظة أخي العزيز من أين أتيت بهذه (المسلمة) ألم تسأل نفسك لماذا لم تعترض وتمنع السعودية خيار مملكة البحرين أن يكون لها دستور وأن يمنح البحريني فيه حق ممارسة العمل السياسي وأن يكون لها سلطة تشريعية منتخبة و.. و... والذي عاشته البحرين طوال السنوات العشر الماضية؟
أخي العزيز لا البحرين محتلة ولا السعودية تتدخل في خياراتنا لكن أفكاراً كهذه إن كانت لدى أخصائي علمي عمره تجاوز الثلاثين بأربع سنوات فهذا يفسر ما عجزنا عن فهمه وهو لماذا هذه المشاعر السلبية والغاضبة من شباب علاجه مجاني وتعليمه مجاني ودراسته الجامعية شبه مجانية ويمنح فرص ووظائف ويختار نائبه البلدي ونائبه التشريعي ولديه صحافته ولديه حزب سياسي مرخص ولديه حرية الحركة والسفر والتنقل ولديه تمويل لمشاريعه إن أحب بفائدة لا تذكر ولديه امتيازات يحلم بها شباب في مصر وتونس بل وإيران أيضاً.
فأذا كان هذا الشباب يصدّق مثلك بأن البحرين محتلة وأن المملكة العربية السعودية تتدخل في خياراته، فلا عجب!!
بقيت نقطتان الأولى هي موقفي الشخصي من العمامة وهو بالمناسبة نفس الموقف من أي منبر ديني آخر، ولست معنية بموقف الدولة هنا لأشرحه أو أدافع عنه لأنني اختلف مع ما تم وما أعطي لرجال الدين من امتيازات ما كان لها أن تعطى لتفرق بينه وبين المواطنين العاديين.
إنما موقفي هو واحد بأن من يقف على المنبر الديني عليه أن يختار نشاطه ويحدده إما أن يكون منبراً سياسياً أو أن يكون منبراً دينياً فلا يجمع الاثنان، ولكل مواطن الحق في أن يعمل في السياسة ويشتغل بها ويحترفها، فإن اختار صاحب العلم الديني أن يكون سياسياً فلا يعتلي المنبر الديني ويخلط بينهما، هذا الرأي لا علاقة له بأي مذهب أو أي دين، الكل سواسية في هذا الموقف.
أما موقفي الشخصي من عيسى قاسم وعلي سلمان وكل العمائم التي تقف وراء الوفاق هو ذاته، هو أن تلك العمائم تقود التيار الوفاقي لمرجعية دينية سياسية إيرانية الأصل وهي مرجعيتهم حتى وإن كانت سيستانية أو حتى تلك التي تأتلف معها كالعمامة الشيرازية، فكلهم فروع لأصل واحد رغم كل الاختلافات، هم يحلمون بأن يقودوننا إلى دولة دينية يرأسها إما إمام واحد أو مجلس علمائي، وهذان فرعان لأصل واحد لا فرق بينهم وهو ما يرفضه غالبية أهل البحرين.
وهو موقف لا يتناقض مع استضافتي لعلي سلمان في برنامج كلمة أخيرة، وشكراً لأنك ذكرتهم بأنني استضفته في البرنامج بل واستضفت آخرين من كتلة الوفاق، وأزيدك من الشعر بيتاً وللتذكير فقط عارضت وبشدة استقالتهم وعملت ما في وسعي لعدم قبولها واتصلت بالنواب وكتبت وأبديت رأي في التلفزيون بأن لا تقبل استقالتهم ويمنحوا فرصة أخرى، وذلك لأنني مؤمنة أن إدارة الخلاف بيننا ضمن الأطر الدستورية هي الحامي لأمن هذا الوطن، فهو الترجمة العملية لعبارة أدبية قديمة بأن الخلاف من المفروض أن لا يفسد للود قضية، ومادامت إدارة الخلاف تجري ضمن حدود الإطار الدستوري وضمن أدب الحوار.. فيا أهلاً (بالمعارك).
إنما ما حدث أخي العزيز خرج عن الإطار الدستوري بل ومس الأمن الوطني ومس السيادة الوطنية وأحدث جرحاً غائراً من الصعب مداواته.
أدنت وأدين كل العنف والتعذيب وأي عمل غير مشروع وغير إنساني ولا أدافع ولا أحمي أي شخص ارتكبه ومنذ اليوم الأول وفي البرنامج وفي المقالات وأنا أدين، ولكن من لا يريد أن يقرأ أو يسمع فإنك ناديت إذا ناديت حياً.
ما حدث لنا وما شهدناه وما عايشناه منذ فبراير إلى الآن لم يمر علينا طوال عمرنا لذلك فإن ما تراه من أي طرف سواء كان من الإعلام أو مني شخصياً أو حتى من الأجهزة الأمنية أو من أي فرد فهو ردة فعل على فعل تجاوز كل الشرعية المسموح بها في أي خلاف حتى وصل إلى هتك الأمن والوحدة الوطنية وحرق الأرض وهذا لن ننساه ما حيينا.
ودمتم