أعلن في الحادي والثلاثين من مارس الماضي عن عزم الولايات المتحدة إقامة شبكة صواريخ “باتريوت” في منطقة الخليج العربي وبالتحديد في الأربع دول التي تواردت الأنباء عن موافقتها على إقامة تلك الشبكة؛ البحرين، والإمارات، والكويت، وقطر. لتمثل حائطاً دفاعياً لتك الدول ضد التهديدات الإيرانية. بمعنى آخر، تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على زيادة وتيرة التهديدات الإيرانية، ومن ثم تعمل على تحميل الدول الخليجية نفقات أي هجوم وشيك على إيران، قد ينطلق من الأراضي الخليجية. وهو ما أشار إليه في تصريحات وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا بأن الولايات المتحدة قد تنساق إلى مواجهة سابقة لأوانها مع إيران بسبب هجوم إسرائيلي محتمل عليها، وهو ما يزيد من مخاطر تنفيذ الدرع الصاروخية على إيران، إلا أن بروجردي رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، أكد أن اقتراح نشر الدرع الصاروخية في الخليج إنما هو على صعيد الكلام، ولا بد من أن يمر بمراحل عدة من أجل تطبيقه على أرض الواقع.
وتنقل الولايات المتحدة الصراع مع إيران من الاحتواء إلى تغير قواعد اللعبة إلى احتمالية المواجهة المباشرة.
وفى حال التنفيذ الفعلي لهذا المشروع فإن الولايات المتحدة قد تنقل العلاقات الأمنية من المستوى الثنائي إلى المستوى متعدد الأطراف، ممهدة لأرضية تفاهم جديدة بعد مشاركة وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في أول منتدى للتعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، وقد دعت إلى اتخاذ “خطوات عملية ومحددة لتعزيز الأمن المشترك مثل مساعدة العسكريين الخليجيين على تحسين قابلية العمليات المشتركة، والتعاون في الأمن البحري، والدفاع الصاروخي، وتنسيق الرد في مواجهة الأزمات”.
وتوقيت إعلان إنشاء الدرع الصاروخية ربما يكون فرصة لفتح الحوار مع المعسكر الشرقي الذي تتزعمه كل من موسكو وبكين، وأن يجر المصلحة العربية التي تسير وفق الرؤية الخليجية نحو حل في سوريا ربما يكون مجلس الأمن الدولي هو مكانه، حيث يمثل الدرع الصاروخي الخليجي عامل ضغط تكتيكي يتيح اهتزازات تبعث بإشارات قوية يمكنها أن تصل إلى دول الجوار وخاصة إيران وحلفائها.
^ كيفية إقامة الدرع الصاروخي:
تمتلك الولايات المتحدة منظومة من “الدرع الصاروخي” قوامها منظومة دفاع جوي، الوحيدة المتكاملة والأقوى تواجداً في هذا العالم، إذ تملك أفضل وأنجح وأبعد وسائل رصد وإنذار مبكر تتواجد الآن وحتى 10 سنوات قادمة على أقل تقدير في العالم، حسبما يذكر الخبراء. وهى منظومة تم إنشاؤها لحماية الولايات المتحدة والدولة الحليفة لها من أي مخاطر صاروخية أو جوية ممكنة.
تمتلك المنظومة التكامل في منظومات ووسائل الرصد والإنذار وتتكون من منظومات طويلة المدى تصل إلى آلاف KMs مثل SBX - ومتوسطة المدى، وقصيرة المدى.
وفى حال إقرار دول الخليج العربي بهذه المنظومة ستنشأ منظومة درع صاروخي في كل دولة من دول المنطقة لحماية الدول التي تشترك فيها. وكما صرح وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة أن هذه المنظومة تشمل نشر منظومة رادارت موحدة في المنطقة، وتنظيم عمليات تبادل المعلومات.
^ الدول الخليجية التي يشملها الدرع:
يطرح الترحيب الخليجي بالدرع الصاروخية في هذا التوقيت، خاصة وأن هذا المشروع الضخم سبق وأن تم طرحه في أكثر من مناسبة خاصة بعد حرب الخليج الثانية عام 1990، بينما كان التأجيل من قبل قادة الدفاع الخليجيين، ومن ثم يثير هذا الترحيب أسئلة حول الجدوى الحقيقية التي دفعت القادة الخليجيين للترحيب بالمشروع الأمريكي لإقامة الدرع الصاروخية، وهل ستشكل تلك الدرع بعداً دفاعياً لمنطقة الخليج يزيد مساحة الثقة في وقوف الأمريكيين معهم بشكل لا نهائي، بعدما شهدت أحداث البحرين في فبراير من العام 2011 تأرجحاً في قبول الموقف الأمريكي.
ومن المتوقع أن تنضم كافة دول مجلس التعاون الخليجي لهذا الدرع. إذ صرح وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة أن الولايات المتحدة وست دول خليجية (السعودية، والإمارات، والبحرين، وقطر، وعمان، والكويت) اتفقت على إنشاء منظومة درع صاروخية موحدة.
^ الخبراء الاستراتيجيون بين التأييد والتحفظ:
يرى خبراء استراتيجيون أن الدرع الصاروخية ربما تمثل استراتيجية جديدة ذات مهمة مستقبلية تكمن فقط في ربط الأنظمة الصاروخية الموجودة في دول مجلس التعاون لتكون بمثابة أساس إنشاء المنظومة، باعتبار أن تطور الأنظمة الدفاعية في الدول الخليجية الست والمتمثلة في الصواريخ المضادة للصواريخ بعيدة المدى سيسهّل جمعها في درع مشترك يكفل الحماية في حالة تعرضها لهجوم إيراني محتمل. فيما يرى آخرون أن قرار إنشاء الدرع الصاروخي الخليجي قد تأخر كثيراً؛ وأنه كان يجب أن يحظى بموافقة بعد حرب الخليج الثانية، وأن تطورات الأحداث الحالية وتصاعد التهديدات الإيرانية المصحوبة بتوتر شديد في علاقاتها مع الغرب يجعل من المنظومة الدفاعية الحالية عاجزة إذا ما نفذت إيران تهديداتها ونفذت هجوماً على المنشآت النفطية الخليجية أو حاولت إغلاق مضيق هرمز، وعلاوة على ما تمثله إيران من تهديد لأمن المنطقة والذي من أجله أعاد الخليجيون التفكير في الدرع الصاروخية، تأتي الاتهامات الأمريكية لإيران بشأن تسليح حركات وانتفاضات شعبية وما يمثله ذلك من تبعات وخيمة ليس على الخليج فقط ولكن على مناطق أخرى كثيرة من بينها اليمن لتمثل عاملاً مضافاً لقبول المشروع الأمريكي.
وكانت فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية قد كشفت عن وجود اتفاقات دفاعية في مجال الصورايخ مع بعض دول الخليج، يمكن جعلها أكثر فعالية في الإطار الإقليمي، وذلك في إشارة إلى تحويل المنظومة الدفاعية إلى درع صاروخية شاملة.
^ المبررات الأمريكية لإقامة الدرع:
تشير المصادر الأولية إلى “أن الولايات المتحدة الأمريكية تبرر إنشاء نصب شبكات الدرع الصاروخية، من أجل: تأمين من هجمات صاروخية إيرانية، إضافةً إلى منع إيران من الحصول على سلاح نووي، والحد من تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول المجاورة، فضلاً عن حماية المنشآت النفطية لدول مجلس التعاون ذات الأهمية الاستراتيجية في الإمدادات النفطية للولايات المتحدة الأمريكية، والغرب ككل. من جانب آخر تؤكد بعض المصادر الخليجية “أن الولايات المتحدة تسعى إلى إقامة الدروع الصاروخية في الخليج لتكون مهمتها التصدي للصواريخ الإيرانية في حال قررت إيران الرد على أي عملية عسكرية تستهدف منشآتها النووية، ومن بين تلك السيناريوهات المتوقعة، قيامها باستهداف المنشآت النفطية لدول الخليج”. إلى جانب المبررات الأخرى السابق ذكرها، والتي أكدتها بعض المصادر الخليجية.
فضلاً عن أن الدول الخليجية ستنفق المليارات على إنشاء هذا الدرع، ومن غير المتوقع تحمل الولايات المتحدة الأمريكية بأي نفقات. وتسوق الدول الخليجية تفسيراً لهذا الإنفاق الضخم إيمانها بأنه لا يمكن لأمة بمفردها حماية نفسها، وأن عليها الاعتماد على شركائها لتمتلك نظاماً دفاعياً صاروخياً فعالاً.
وعملت الولايات المتحدة على اتباع أساليب الإقناع للخليجيين؛ بهدف تعجيل الموافقة على هذا الدرع الصاروخي وتصاعدت لغة الاتهامات الأمريكية لإيران، حيث شنت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، هجوماً غير مسبوق ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد انتهاء أعمال أول “منتدى للتعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون” خلال الأسبوع الماضي، وكررت كلينتون اتهامات الإدارة الأمريكية القديمة والجديدة ضد إيران قائلة إن طهران “تستمر في تهديد جيرانها وتقويض الأمن الإقليمي من خلال دعمها للقمع في سوريا والتدخل في اليمن”. وأضافت: “نحن عازمون على منع إيران من امتلاك سلاح نووي”، مشيرة إلى أن المحادثات المرتقبة في إسطنبول يومي 13 و14 أبريل الجاري تشكل نافذة أمام إيران، لكنها لن تبقى مفتوحة إلى الأبد”، وسعت كلينتون إلى تبديد مخاوف الدول الخليجية من محاولات فتح جسور مع إيران بهدف احتوائها قائلة إن “سياستنا حيال إيران تتضمن التلافي والوقاية وليس الاحتواء، وناقشنا ما ننوي تقديمه في الاجتماع المقبل والأمر منوط بإيران لكي تظهر بأنها تنوي خيراً”.
^ موقف إيران من الدرع المزمع إقامته:
أكد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي أن “طرح مشروع الدرع الصاروخية في الخليج موضوع مثير للتوتر”، وأوضح بروجردي “أن أمريكا منذ سنوات ومن خلال خداع دول المنطقة، وتصوير إيران على أنها خطر على منطقة الشرق الأوسط، تقوم بابتزاز دول المنطقة، حيث تقيم العديد من القواعد العسكرية في المنطقة”. وذكر بروجردي “أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية ستبدي رداً حازماً ومناسباً مع أي إجراء يتعارض مع مصالحها الوطنية”.
وقد حذر وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي الدول الخليجية من المشاركة في الدرع الصاروخية التي اقترحتها الإدارة الأمريكية، وقال وحيدي أحمد وحيدي في تصريحات نقلتها عنه وكالة أنباء “فارس” إن “الدرع المضادة للصواريخ في الخليج مشروع أمريكي ـ صهيوني”، على حد قوله. وقال: “رفضنا منذ البدء هذا المشروع الذي يهدد الأمن الإقليمي، وننصح أصدقاءنا العرب بعدم الدخول في لعبة كهذه”.
فيما اختتم المنتدى الاستراتيجي الأول بين الخليج وأمريكا، الذي استضافت فعالياته العاصمة الرياض، رئيسة الدورة الحالية لمجلس التعاون الخليجي بحضور وزراء خارجية دول المجلس ووزيرة الخارجية الأمريكية على الاتفاق على تكوين لجنة أمنية مشتركة مع واشنطن لدراسة إنشاء درع صاروخية لحماية دول المنطقة الخليجية، حيث أكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أن “الموضوع يختص به رجال الأمن، وشكلت لجنة من رجال الأمن لبحث هذا الأمر “وفق حديثه في مؤتمر مشترك مع وزير الخارجية الأمريكية، التي جددت التزام واشنطن بالوقوف مع الدول الخليجية، وأن واشنطن “صلبة” في التزاماتها تجاه دول الخليج.
وحسب ما صرح به وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة أن الاتفاق بين الولايات المتحدة والست دول الخليجية السالف ذكرهم ينص على مناقشة تفاصيل منظومة الدرع الصاروخية واتخاذ القرار النهائي في يونيو الحالي.
? مدرس مساعد علوم سياسية جامعة حلوان