كان إسقاط القوات السورية لطائرة تركية، قبل أسبوع، إيذاناً بنشوب أزمة جديدة. وتركزت عناوين جميع وسائل الإعلام على ذلك الاعتداء السوري، متسائلة عما إذا كانت تركيا على وشك الدخول في حرب أم لا. وباءت بالفشل جهود البحث عن الطيارين التركيين، اللذين سقطا على ما يبدو في البحر، وبات واضحاً بصورة مؤلمة أن مدافع أجنبية قد أودت بحياة أتراك في البحر المتوسط مرة أخرى، بعد واقعة السفينة «مرمرة».
ووسط كل هذه الأجواء، حبس الجميع أنفاسهم، في انتظار الكلمة الأسبوعية، التي يلقيها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، أمام البرلمان التركي. وقد ألقى الرجل خطاباً قوياً بما يكفي للتنديد والاستنكار، وكذلك تهديد النظام السوري، ولكنه اتسم أيضاً بما يكفي من الحذر لتجنب أي تصعيد قد يقود تركيا إلى حرب حتمية.
وقال أردوغان في كلمته: «صداقة تركيا ثمينة، ولكن لا بد أن يعرف الجميع أن غضبها كبير كذلك»، ثم أوضح أن قواعد الاشتباك مع سوريا من الآن فصاعداً قد ارتفعت إلى مستوى جديد، مؤكداً أن «أي عنصر عسكري قادم من سوريا ويشكل تهديداً أو خطراً أمنياً على الحدود التركية سيتم التعامل معه باعتباره هدفاً عسكرياً». وهذا يعني أن حادثة الطائرة هذه ليست ذريعة للحرب، لكن أي أعمال عدوانية مستقبلية من قبل النظام السوري ربما تكون كذلك، ومن ثم فعلى شبيحة دمشق أن يحسنوا التصرف.
وفي رأيي أن هذا هو الموقف السليم من جانب تركيا، فالدخول في حرب مع سوريا، أو مع أي أحد، سيكون بمثابة مغامرة كارثية يذهب ضحيتها أناس أبرياء وتدمر الاقتصاد التركي وتلقي بظلالها على «القوة الناعمة» التي تتمتع بها تركيا. وفي المقابل، فإن الظهور بمظهر الضعيف عند التعرض لاعتداء سيكون خطأ هو الآخر. ويبدو أن أردوغان قد عثر على التوازن السليم ما بين هذا وذاك.
والموضوع الآخر الذي تناوله أردوغان في خطابه هو كيف وأين أصيبت الطائرة بالضبط، حيث أوضح أنها كانت طائرة عسكرية غير مسلحة تؤدي طلعة جوية اعتيادية «لاختبار نظام الرادار الخاص بتركيا»، لكنها اخترقت المجال الجوي السوري عن غير قصد ولبضع دقائق فحسب، قبل أن تتلقى تحذيراً من قاعدتها وتغادر الأجواء السورية على الفور. إلا أن السوريين أصروا على استهدافها، وقاموا بإسقاطها فوق المياه الدولية.
وقد قدم السوريون بالطبع رواية مختلفة؛ فهم يزعمون أن الطائرة تم ضربها داخل المجال الجوي السوري. ولكن إذا كانوا صادقين في ذلك، فينبغي عليهم الكشف عن صور الرادار التي التقطوها، كما فعلت تركيا.
وفي النهاية، فقد أضافت حادثة إسقاط الطائرة مستوى آخر إلى التوترات القائمة بين تركيا وسوريا، التي أخذت في التصاعد منذ الأشهر الأولى لثورات الربيع العربي. والمثير للسخرية أن البلدين كانا وقتها قد أقاما صداقة قوية بينهما، حيث كانت العلاقة بين أردوغان والأسد متينة للغاية، وتم فتح الحدود بين البلدين، وصارت سوريا هي الشاهد الأول على نجاح «سياسة تصفير المشكلات»، التي انتهجتها تركيا مع جيرانها.
ومع ذلك، فإن الأتراك الذين يذكرونك بتلك الأيام الخوالي الجميلة التي شهدتها العلاقة بين تركيا وسوريا، ويتساءلون بغضب «عما أفسد الأمور» مخطئون تماما، فالأسد في ذلك الوقت لم يكن يذبح شعبه. صحيح أنه كان نظاما بلا ديمقراطية، ولكنه لم يكن يتصرف كآلة قتل، كما يفعل الآن.
والحقيقة الواضحة هي أن ثورات الربيع العربي بدأت فصلاً جديداً تماماً في تاريخ الشرق الأوسط، حيث أصبحت الفجوة بين النظم الاستبدادية وشعوبها أكثر وضوحاً مما كانت في أي وقت مضى. ومما يحسب لتركيا أنها فعلت ما هو صواب بانحيازها إلى الشعوب، ولا بد أن يستمر هذا في كل مكان، وبالذات في سوريا. وعلى تركيا أن لا تتهاون في موقفها المناهض لنظم الطغيان الموجودة في المنطقة.
ملحوظة: تهانينا لمحمد مرسي، أول رئيس مصري يتم انتخابه في انتخابات ديمقراطية. ويحدوني أمل كبير في أن يكون «رئيسا لكل المصريين»، كما تعهد في أول خطاب له بعد فوزه بالرئاسة. وعلى جميع المصريين، بمن فيهم من لم يصوتوا له، أن يمنحوه الفرصة.
^ الشرق الأوسط بالاتفاق مع صحيفة حرييت ديلي نيوز التركية