أثار فوز الدكتور محمد مرسي، مرشح جماعة الإخوان المسلمين، بمنصب رئيس الجمهورية في مصر ردود فعل في الشارع السياسي العربي والإسلامي وكذلك الدولي. ما يهم من ردود تلك الأفعال ما يتعلق منها بمستقبل العلاقات المصرية - الإيرانية. فهذه المسألة جد حساسة بالنسبة للخليجيين وتثير هواجسهم ومخاوفهم بسبب مواقف إيران السلبية نحوهم.. لذا من الطبيعي جداً أن ينزعج عرب الخليج من أي تصريحات أو خطوات يتخذها الرئيس الجديد من شأنها أن تصب في اتجاه تغيير الموقف المصري من النظام الحاكم في إيران خصوصاً أن الأخير منى عينه بأن تشهد العلاقات الإيرانية - المصرية انفراجاً بعد قطيعة دامت أكثر من ثلاثة عقود.
فالنظام الإيراني يدرك جيداً أن مصر المحروسة هي بوابة العرب وقوتهم من قوتها، ولها تأثير كبير في رسم السياسة العربية والشواهد والأدلة كثيرة التي تؤكد على أهمية الدور المصري. فالعرب خسروا كثيراً عندما غاب الدور المصري نتيجة توقيع الرئيس المصري الراحل أنور السادات اتفاقية السلام مع “إسرائيل” إذ منذ توقيع تلك الاتفاقية شهد النظام العربي تدهوراً مستمراً نتيجة خروج مصر من الساحة العربية ولذلك فإن إيران تدرك الدور القيادي والاستراتيجي الذي تلعبه مصر في المنطقة.
ونتيجة لإدراكها وفهمها العميق لهذا الدور نلاحظ أن الساسة الإيرانيين كانوا يبحثون عن الفرصة التي تمهد لهم الطريق في عودة العلاقات مع مصر وهم في هذا الاتجاه أشد من المصريين في السعي نحو تطبيع العلاقات بين بلديهما. وبعد التغيير في مصر وصعود نجم حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في المشهد السياسي المصري وجدت إيران الفرصة سانحة أمامها لكي يكون لها تواجد وحضور في الساحة المصرية وخصوصاً بعد فوز مرسي على منافسه الفريق أحمد شفيق الذي يمثل امتداداً لنظام حسني مبارك حسب وجهة نظر بعض المراقبين والذي له مواقف معروفة حيال إيران وموقفها من دول الخليج وخاصة البحرين وفي هذا السياق له أكثر من تصريح يشير فيه إلى أن أمن دول الخليج مرتبط بأمن مصر ومثل هذا الكلام يغضب إيران.
لهذه الأسباب نراها تعبر عن فرحتها بفوز مرسي بالقول إنها “صحوة إسلامية”، ولم تكتف بذلك فقد سارعت باتخاذ خطوة إجرائية الهدف منها مغازلة النظام الجديد ولكن بوسيلة غير شرعية، حيث قامت عبر وكالتها للأنباء فارس بفبركة مقابلة نسبت فيها تصريحات للرئيس المنتخب الدكتور مرسي قالت إنه أدلى بها لمراسلها ذكر فيها أنه بصدد “استعادة العلاقات الطبيعية” بين مصر وإيران والمقطوعة منذ أكثر من 30 عاماً.
في ظني أن الوكالة الإيرانية لم تقم بهذه العملية “الفضيحة” كما سماها الكاتب القدير طارق الحميد في مقاله بجريدة الشرق الأوسط إلا لشعورها القوي بأن مرسي يمكن أن يمرر لها هذه المغامرة بحكم المودة القائمة بين جماعة الإخوان المسلمين وإيران وفي الوقت ذاته لكي تمرر رسالة إلى الرئيس المنتخب تعبر فيها عن رغبة إيران العارمة في تطبيع العلاقات الإيرانية - المصرية وعودتها إلى طبيعتها بأسرع وقت ممكن، خصوصاً في هذه الظروف الحالية التي تعاني فيه إيران عزلة وعقوبات دولية بسبب برنامجها النووي، وبسبب دعمها لنظام بشار الأسد ولإحساسها أن هذا النظام آيل للسقوط لا محالة إن طال الزمن أو قصر وهذا يعني خسارة كبيرة بالنسبة لها ولدورها في المنطقة العربية. ومن هنا وجدت إيران ضالتها في التغيير في مصر، وأن وصول مرشح الإخوان إلى سدة الحكم البداية في تعويض خسارتها في سوريا وتكون مصر هي البديل وهي تنطلق في ذلك من العلاقات الحميمية التي تربطها بحركة الإخوان المسلمين منذ فترة ليست بالقصيرة وأن هذه العلاقات ستشفع لها، لكن مرسي خيب ظنها وجاء الرد المصري على عكس ما تتمناه على لسان المتحدث باسم الرئاسة المصرية الذي نفى الخبر الذي بثته الوكالة الإيرانية.
بل إن الحكومة المصرية لم تكتف بهذه الخطوة وذهبت إلى أبعد من النفي، حيث أكد المتحدث باسم الرئاسة المصرية أن مصر بصدد مقاضاة الوكالة بسبب افتعالها هذه الفبركة. السؤال المهم والحيوي هو؛ هل تشهد العلاقات المصرية - الإيرانية تطوراً في عهد الرئيس الجديد تصب في صالح إيران؟ وهل سيكون هذا التطور في العلاقات على حساب العلاقات الخليجية - المصرية؟
أعتقد أنه بعد التصريحات التي أدلى بها ضاحي خلفان تميم قائد شرطة دبي حول الرئيس المصري د.محمد مرسي وهي تمثل وجهة نظر شخصية ولا تعبر عن الموقف الرسمي، بدليل أن الشيخ خليفة بن زايد رئيس دولة الإمارات هو أول المهنئين للرئيس مرسي، فإن العلاقات المصرية - الخليجية ربما تشهد توتراً إذا لم يتم وفي أسرع وقت ممكن احتواء هذه التصريحات وتجاوزها وعدم الوقوف عندها. نقول هذا الكلام؛ لأننا نشعر بأن الساحة المصرية لاتزال في مرحلة الغليان وأن ردود فعل الشارع المصري الغاضبة والعنيفة تجاه تلك التصريحات ستسهم في توتر العلاقات. لذا على المسؤولين في البلدين ومن خارجهما في الدول الخليجية التحرك بسرعة لسد هذا الشرخ قبل أن يتسع ويتفاقم؛ لأنه بالتأكيد لن يكون في صالح العلاقات الخليجية - المصرية في العهد الجديد، وإنما سيكون في صالح من يبحثون عن الفرص وهي بالتأكيد إيران