نجحت مصر في اختبار الانتخابات الرئاسية رغم مما أثير حول هذه الانتخابات من لغط وتجاذب سياسي بين قوى التغيير وقوى الاستمرار، فقد كان مهماً أن تنجح مصر أياً كان الرئيس الذي اختاره الشعب، وأياً كانت المشكلات والتحديات التي تواجهه اليوم وسوف تواجهه غداً، أعتقد أن مصر قد نجحت. في تجاوز المرحلة الانتقالية، بصعوبة، ولكن بقدر من الحكمة وبدون قفزات في الهواء.
صحيح أن الدور الثاني من الانتخابات قد أفرز حالة من الاستقطاب والتنازع نتيجة لضيق هامش المناورة والاختيار بعد إسقاط الخيار الثوري بوجه خاص، ولكن تلك النتيجة تعكس ميزان القوى الحقيقي الذي يمنح الحالة المصرية توصيفها المناسب، فهي ليست حالة ثورية كاملة، بل هي حالة تغيير إصلاحي لا غير، وكان من الطبيعي أن تترجم الانتخابات الرئاسية بنتائجها النهائية هذه الحالة.
على صعيد النتيجة المتوقعة سلفاً -ورغم ضيق مجال الاختيار- فإنني أعتقد بأنه كان من الأفضل لمصر أن يفوز الدكتور مرسي بهذه الانتخابات لثلاثة أسباب موضوعية في تقديري:
الأول: أن فوز أحمد شفيق ما كان له ليترجم عملياً وسياسياً ونفسياً مستوى التحول الذي حدث في مصر، فمهما قال ووعد فهو يندرج كسياسي وعسكري قديم في سياق استمرارية النظام السابق، في حين أن الدكتور مرسي يترجم -وإن بطريقة محدودة- جانباً من هذا التحول الذي كان يجب أن تترجمه الانتخابات الرئاسية.
الثاني: أن الدكتور مرسي قد حصل في الدور الثاني من هذه الانتخابات على (أكثر من 13 مليون صوتاً) أي حوالي ضعف الأصوات التي حصل عليها في الدورة الأولى بما يعني أن هذه الأصوات الجديدة ليست أصواتاً إخوانية، بل هي أصوات مؤمنة بالتغيير، مما يحمل مرسي مسؤولية كبيرة ليعبر عن هذا التغيير وهي مسؤولية ضاغطة تجعله مجبراً على مراعاة مصالح القوى الثورية واحترام التوازنات المطلوبة في المرحلة المقبلة، ولمن يكون مجرد ممثل للإخوان.
الثالث: إن الدكتور مرسي على الصعيدين الشخصي والسياسي قد عانى من السجن والتهميش والحرمان من الحرية في ظل الاستبداد، ولذلك سوف يكون -من حيث المبدأ- مدركاً لأهمية احترام الحريات الخاصة والعامة وتعزيز الديمقراطية وتقديرها والمحافظة عليها.
ورغم المخاوف والسيناريوهات التي تثار حول الحالة المصرية وحول طبيعة القوى التي يمكن أن تحكم مصر، فإن الأمر لا يمكن أن يثير أي مخاوف حقيقية في تقديري، لأن مصر هي التي ستحكم من يحكمها، وهي التي بعمقها التاريخي وبموقعها الجغرافي وبثقلها البشري، وبدورها الحضاري والسياسي لا يمكن إلا أن تجبر من يحكمها على أن يحترم كل ذلك الثقل، بل وليس بوسعه أن يخرج بها عن النص، وأعتقد أن الرئيس السابق قد سقط منذ اللحظة التي حاول فيها أن يخرج بمصر عن دورها ويقلل من ثقلها السياسي ويجردها من قوتها إرضاء للغرب عامة ولإسرائيل خاصة، كما إن السادات اغتيل لنفس الأسباب وإن بشكل مختلف.
فالدولة المصرية محكوم عليها أن تعيش سلمها الأهلي وأن تتصالح مع نفسها كما كانت دائماً بمسلميها ومسيحييها، فوظيفة الرئيس -أي رئيس مهما كان الحزب الذي ينتمي إليه ومهما كان دينه الذي يدين به- محكوم عليه سلفاً أن يكون منسجماً مع العمق المصري ومع الوطنية المصرية ومع دور مصر العربي والأفريقي والدولي، وألا يقلل أبداً من قيمة هذا الدور مهما كانت التحديات صعبة، فلا أحد يستطيع أن يتحرك خارج هذا الدور وخارج هذا العمق، هنالك في النهاية تاريخ تنتمي إليه مصر وهنالك إقليم تتوسطه وتؤثر فيه، وهنالك هوية مصر العربية، وهنالك شعب كبير ذو حضارة وثقل، وجميعها عوامل قوة مصر الإقليمية والدولية.. وهي التي سوف تحكم الرئيس الجديد وتوجهاته.