قرأت تقريراً مُسهباً حول المجازر التي يرتكبها البوذيون المتطرفون بمعية الحكومة في ميانمار (بورما سابقاً) ضد المسلمين العزل. شرح التقرير بصورة مفصلة ما حدث في هذه الدولة المذبوح شعبها من المسلمين، وذكر التقرير (109) حادثة بشعة مفصلة، انحصرتْ بين مجازر وهدم مساجد وبيوت، إلى حرق وتعذيب وتشريد وانتهاكات فظيعة، لا يصدقها عقل بشر. حدث كل ذلك وفق صمت دولي وبمشاركة الحكومة الميانمارية. نحن كمسلمين لن نقبل أن تُنتهك حقوق الإنسان في كل دول العالم، كما لا يمكن أن نقلل من شأن الدم حين يخرج من أجساد بريئة من كل الأديان والطوائف والملل حول العالم، فالإسلام علمنا أن حرمة إيذاء البشر فضلاً عن قتلهم بغير وجه حق يعتبر من أعظم الكبائر، ومن هذا المنطلق الأصيل لديننا الحنيف سنظل ندين كل العمليات الإرهابية التي من شأنها أن تؤدي إلى القتل ونصف القتل، سواء كانوا هؤلاء من المسلمين أو غيرهم. من هذا الوعي أيضاً؛ كان لنا موفق واضح من الصراعات الطائفية التي جرتْ في مصر، والتي حدثت لمرات عديدة بين المسلمين والأقباط، فكان موقفنا أن قلنا حينها أوقفوا الفتنة فكلكم مصريون، وأن تُجرى تحقيقات عادلة ونزيهة لمعرفة من يثير الفتن والقلاقل في أسيوط وغيرها من المدن المختلطة في مصر العزيزة. أمريكا وفرنسا العلمانية وبريطانيا ومعهم كل الغرب وقفوا وقفة حاسمة إلى جانب الأقباط، وضغطوا على الحكومة المصرية في أن توقف تجاوزات المسلمين ضدهم رغم أن تلك التجاوزات حدثت من الطرفين، ناهيك أنها لم تصل لمستوى عناوين المجازر الوحشية، ولم ترق إلى مستوى الإبادة الجماعية أو التطهير العرقي كما يحدث اليوم جهاراً في ميانمار. لا أمريكا ولا فرنسا ولا بريطانيا ولا كل أوروبا جميعهم حين تدخلوا في صراع المصريين، كانوا يريدون من وراء ذلك خير مصر أو سعادة شعبها، بل لأن الأقباط كانوا من المسيحيين، فحينها أقاموا الدنيا ولم يقعدوها، هذا كل ما في الأمر، وما سوى ذلك يعتبر هراء للاستهلاك الدولي فيما يخص ملف حقوق الإنسان في مصر. لو يُقتل مسيحي في شرق الأرض أو يعتقل فإن أمريكا والغرب مستعدون لتحريك أساطيلهم للدفاع عن حقوق المسيحيين، كما سيكون قتل مسيحي واحد مبرراً لغزو دول لها سيادتها، لكن حين يُباد المسلمون في ميانمار تحت طائلة التطهير العرقي الصارخ يرفض أصحاب البشرة البيضاء أن يصدروا بياناً واحداً يشجب ذلك، أو في أحسن الأحوال يصدرون بياناً واحداً بارداً وإنشائياً بعد انتهاء تلك المجازر الوحشية!!. هذه الازدواجية الغربية هي التي تحدثنا عنها سابقاً، وهي التي تحصل اليوم في فلسطين المحتلة، وفي ميانمار ومن قبل حدثت في البوسنة والهرسك، فمن كان مع الغرب كانوا معه ومن كان ليس معهم فهم ضده. ربما نفهم قسراً لماذا وقف الغرب مع الأقباط المصريين، لكن كيف نفسر تعاطف وصمت الغرب مع البوذيين المتطرفين في ميانمار؟ إن كان الأقباط من المسيحيين، فما هي قصة تعاطفهم مع البوذيين؟ «أهاااا” عرفنا الحكاية، المسألة لم تعُدُ كونها حرباً ضد المسلمين أينما كانوا ورحلوا، وبعد كل ذلك فنحن في الحقيقة نستغرب فيمن يستنجد بأمريكا من شعوب دول الربيع العربي للوقوف معهم في ثوراتهم، إنها البلادة حقاً. قبل غلق الحديث عن بورما القديمة نتساءل ببراءة منطقية مطلقة؛ لو كان المسلمون أقوياء ومتَّحدون على كلمة سواء، هل كان يمكن أن يحدث لهم كل ذلك؟. في الربيع العربي شعوب لاهية بثوراتها وبنفسها، وحكام مسلمون يقتلون شعوبهم لأجل أن يبقوا على عروشهم، فإذا عرفنا كل ذلك سنعرف لماذا استفرد البوذيون بإخوتنا الأبرياء من المسلمين في ميانمار فأبادوهم بتزكية صمتٍ ومباركة من واشنطن وحليفاتها. نحن لسنا ضد المسيحية ولا البوذية ولا اليهودية، ولسنا أيضاً ضد الديانات الأخرى، ولسنا ضد أتباعها، نحن مع الإنسان بغض الطرف عن معتقداته وانتماءاته، هكذا علمنا الإسلام الجميل، لكن أمريكا ليست كذلك فهي تتحرك دائماً وأبداً وفق مصالحها والسلام. إذاً نحن أرقى إنسانية من كل أشرار الأرض.