وجود “ذمة” عند مسؤول يقبل بوجود فساد في قطاعه يعتبر ضرباً من ضروب المستحيل، في المقابل لو وجدت هذه الذمة فالمنطق يفرض انتفاء وجود أي حالة من حالات الفساد. معادلة بسيطة جداً قائمة على السبب والنتيجة.
مبعث القول هنا ما قد يتذكره بعضكم أو لعله بقايا مما سمعه بعض آخر بشأن قانون الذمة المالية، وما سبقه من حديث قبل سنوات عن ضرورة إفصاح كبار المسؤولين عن ذممهم المالية في اتجاه الحفاظ على المال العام ومحاربة الفساد.
المبدأ بحد ذاته صحيح، أعني كشف الذمم المالية، لكن في جانب آخر “الآلية” المعنية بالتطبيق والتعامل غير واضحة في حالة اكتشاف من ذممهم المالية تبعث على الريبة، يتضح ذلك من خلال بيان الأرقام لوجود حالات “اغتناء” غريبة ومريبة.
البحرين دولة صغيرة المساحة، يعرف القاصي فيها الداني، بالتالي أية تغييرات تطرأ على أنماط معيشة البعض تفرض علامات استفهام متعددة، أية ممارسات غير اعتيادية ومظاهر لم تكن مألوفة تدفع الناس خاصة من “يفتحون عيونهم” إما ملاحظة أو آخرين بداعي “اللقافة” يتساءلون ويقولون: “سبحان مغير الأحوال”؟!
أحياناً يتابع الناس حالات لـ«انقلابات جذرية” في وضعية أشخاص، انقلابات تتم بصورة تبعث على الشك ما إذا كان فلاناً أو علاناً تحصل على ما تحصل عليه -بحيث يتغير حاله بين ليلة وضحاها- نتيجة جهد وتعب وعرق جبين، أم نتيجة استغلال للمنصب والنفوذ واقتناص فرص الكسب غير المشروع؟!
في وقت مازلنا نتحدث فيه -وهذا حالنا منذ سنوات- عن الفساد الإداري والمالي، تأتي هذه الظاهرة لتتناقض جملة وتفصيلاً مع الإصلاحات في البلد.
كيف يتحول شخص بسيط لم يرث عن عائلته، بل موظف في هذا القطاع أو ذاك إلى مليونير، أو صاحب “بزنس” في زمن قياسي خرافي؟! بل كيف يكون في رصيد مسؤول في الدولة راتبه معروف ومحدد بحسب جداول الرواتب، كيف تكون في رصيده أرقام مخيفة تغنيه عن راتبه التقاعدي وتؤمن مستقبله ومستقبل أحفاد أحفاده لقرون قادمة؟!
نطرح التساؤل الجميل “من أين لك هذا؟!” لكننا نعجز عن إجابته، رغم أن هناك -يفترض- قانوناً للذمة المالية، ورغم أن هناك تقاريراً -هكذا نرى ونسمع ونشاهد- تكشف حالات الفساد الإداري والمالي!
كلها حالات فساد تفرض الاستغراب، وتدعو لفتح العيون أكثر على حالات مماثلة في كافة القطاعات، ورصد هؤلاء الذين يتحولون بقدرة قادر إلى “قطط سمان”.
سؤالي فقط للبسطاء من الناس: عملية الرصد سهلة وواضحة أليس كذلك؟! طيب، لماذا أنتم ترون ما لا يراه من يعنيهم الأمر؟!
هنا نعود للتشديد على الدور المسؤول المفترض أن تضطلع به السلطة التشريعية، التعاطي المطلوب منها إزاء تقارير الرقابة المالية، مع إعلان الرفض الشعبي المطلق للتجاهل الحاصل والتعاطي الهزيل مع هذه التقارير ما أدى لركنها فوق الرفوف وتراكم الغبار على أسطحها، دون أن نخلي في جانب آخر مسؤولية كبار المسؤولين في مختلف القطاعات تجاه محاربة الفساد والمفسدين وإحالتهم للجهات القانونية المختصة.
بصراحة أستغرب من انتشار أخبار عن مسؤول هنا أو هناك يمارس الفساد في أواسط الناس، في المقابل يعجز الوزير المعني حتى على التحقيق في الموضوع واكتشاف التجاوزات.
شخصياً أرى إلى جانب إحالة هؤلاء إلى القضاء وإنزال أشد العقوبات بحقهم كونهم “خانو الأمانة” واستهتروا بالمال العام، ضرورة إلزامهم بإرجاع كل فلس أحمر سُرق أو أهدر بسبب فسادهم أو سوء إدارتهم أو دخل جيوبهم.
هذا الفساد، وحالات الغنى المريبة، والذمم المالية “اللي توسع بلد”، كلها تحصل بسبب غياب المحاسبة، وهو الذي يؤدي إلى تحول المسؤول هذا أو ذاك إلى أناس بلا ضمير، ويسهم في زيادة عدد المفسدين واللاعبين في المال العام.
الرقابة الصارمة والمحاسبة التي لا تتلون أو تتباين أو تتعطل لكون فلان ذا حسب أو نسب، أو علان ذا نفوذ وسلطة، هي التي ستقود لانتهاء هذه الظاهرة وتسهم في استقامة الأوضاع وإصلاحها.
المحاسبة مطلوبة، “متنا” ونحن نصرخ و«تعب” موظفو ديوان الرقابة المالية وهم “يرصدون”!
{{ article.visit_count }}