شخصياً لا أحبذ أن يتدخل أحد في شؤون وطني، وفي المقابل لا أحب أن أتدخل في شؤون الآخرين، ليس لأننا لسنا جسماً واحداً إذا اشتكى منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، بل لأننا نحمل خصوصياتنا كمجتمعات وأفراد وكيانات وأوطان.
ربما أنصح وأوجه وأبدي الرأي والمشورة من خلال موقعي، وأحيانا من خلال تجربتي، لكنني في النهاية لا يجوز لي أن أكون طرفاً مباشراً في صراع أوطان لا تربطني بهم سوى قرابة اللغة أو العقيدة، فالنصح مطلوب والتدخل مرفوض.
كما إننا نرفض أن يتدخل أحد في شؤون البحرين العزيزة، في المقابل هناك من يرفض رفضاً قاطعاً أن يتدخل البحرينيون في شؤونهم، سواء كان وطناً أو مجتمعاً أو حتى أفراداً، ومن أراد أن ينصح الآخرين من غير أبناء وطنه، فلا بد له من أخذ رخصة لذلك أو أن يُؤذن له، وما دون ذلك يعدّ تدخلاً سافراً في شؤون غيره من البشر.
ما هو أدهى من كل ذلك أننا نجد أن من يقوم بالتدخل في شؤون الدول الأخرى يعاني وطنه أضعاف ما يعانيه غيره من الأوطان، أو من الذين يتدخل في شؤونهم من سائر المجتمعات، وهذا ما يسري عليه قول الشاعر (طبيب يعالج الناس وهو عليل).
في وطني البحرين، على سبيل المثال، لا توجد جنسية من الجنسيات البشرية ولا دولة من الدول إلا وتدخلت في شؤوننا، وكأنهم يعيشون في أوطانهم في جنات عدّن، ونحن نعيش في الجحيم. وحتى لو كنَّا نعيش في وسط الجحيم، فالبحرينيون (أبخس) بمشاكلهم وأزماتهم، ولا يريدون لأحد من الدول أن تتدخل في شؤونهم، هذا طبعاً من ناحية المبدأ، بغض الطرف عن التفاصيل.
ليس لأننا لا نحب أن نستمع لأحد أو لصوت العقل من سائر بني البشر، بل لأننا نؤمن أن التدخل في أزماتنا السياسية والاجتماعية والمعيشية وغيرها، من طرف الأجنبي، من شأنه أن يزيد النار لهيباً وليس حطباً، ولذا يفضل كل وطنٍ أن يعالج أزماته بسواعد أبنائه، ولو من باب (أهل مكة أدرى بشعابها).
اليوم غالبية الدول العربية تعيش مجموعة من الأزمات، وهذا ليس أمراً جديداً أو معلومة مفاجئة، فبعد الربيع العربي تغيَّر مسار التاريخ العربي الحديث بطريقة مذهلة، حيث هنالك من الحكام من قضى نحبه وهناك من ينتظر، كما إن هناك من الشعوب من نالت أجزاء من الحرية، والبعض الآخر منها لا تعرف كيف تتحصل على رُبعها، فظلت عالقة بين السماء والأرض، لهذا ينطبق عليهم وعلينا المثال الشعبي القائل (كل مِنْ بقلبه شِقى الليلة)، وعليه يكون من السخف أن يتدخل كل المرضى والمهمومين والجرحى بهموم غيرهم، إلا إذا كانوا مُبَشِرِين ومُنْذِرِين وهم ليسوا كذلك.
لو تكف الأنظمة والشعوب العربية كلها من التدخل أو حتى الحديث في شؤون غيرهم، لكان ذلك كافياً لهم من الوقت والجهد لتصحيح أوضاعهم والخروج بأقل الأضرار من أزماتهم، أما التدخل في شؤون الغير، فليس من ورائه سوى المشاكل والصراعات والأحقاد والحروب، بل حين نتدخل في شؤون غيرنا يكفي مبرراً منطقياً لهم أن يتدخلوا في شؤوننا، فحينها ما عسانا أن نقول؟.