خلال الفترة الماضية كان ما يجري في البحرين يستند إلى مقولة واضحة ملخصها أن “أكبر العمليات نجاحاً هي التي تتسبب للنظام بالخسائر الاقتصادية والبشرية والنفسية.. وأن أكبر العمليات جرأة وشجاعة هي التي تصيب (العدو) في عقر داره من دون أن تصاب بشظية واحدة”. هذه كانت التعليمات وبمقدار ما يتحقق منها كانت الجوائز، لهذا كان التركيز على العاصمة حيث ضرب الاقتصاد كان الهدف رقم واحد في قائمة الأهداف الطويلة والذي بتحققه تتحقق الأهداف الأخرى بشكل أو بآخر.
اليوم لم يتغير في الأمر شيء سوى بعض الحديث المتناثر هنا وهناك عن حوار مرتقب من الواضح أنه سيواجه بالرفض، وقد بدأ البعض بالفعل في وضع الاشتراطات والعراقيل لإفشال أي دعوة للحوار وإفشال أي حوار قد يتم، فهذا يقول إنه ينبغي تحاشي الجلوس مع الدولة دون توفر برنامج ترضى عنه جماهير البحرين بأغلبيتها وذاك يقول إن إعطاء النظام هذه الفرصة بمثابة إعطائه مخرجاً للهروب من الاستحقاقات وثالث يقول إن الحوار لا قيمة له وأنه لم يعد هدفاً حيث الهدف هو إسقاط النظام، بينما يجاهر بعض رابع وخامس وسادس بالقول إن الجمعيات السياسية التي وافقت على الدخول في الحوار لا تمثل الشارع ولم يعطها أحد الإذن للدخول في حوار مع النظام.
وسط ذلك برز خطان نقيضان؛ الأول يخوّن الجمعيات السياسية التي أعلنت بطريقة أو بأخرى أنها تقبل بالحوار وإن وضعت له شروطاً، والثاني اعتبار الشيخ عيسى قاسم في خطبة الجمعة إطلاق سراح قادة ورموز المعارضة المحبوسين اليوم إشارة على جدية السلطة في خيار الحوار فقال “إن أي دعوة للحوار ستكشف عن زيفها لو جاء الرابع عشر من أغسطس وبقي العلماء والرموز السياسية داخل السجن”، واتهم السلطة أنها نشطت عبر إعلامها في ذكر لغة الحوار بسبب فتح ملف البحرين في المنظمات العالمية.
وإذا كان يستشف من حديث الشيخ قاسم أنه ليس ضد مبدأ الحوار وبالتالي فإنه ليس مع إسقاط النظام -وكذلك تصريحات في السياق نفسه للشيخ علي سلمان في لقائه بأهالي مدينة عيسى الجمعة نفسها- فإن ما يصرح به آخرون وإن كانوا أقل مستوى ومكانة يؤثر سلباً على التوجه نحو الحوار بإصرارهم على رفض الحوار والاستمرار في الدعوة إلى إسقاط النظام.
وارد في العمل السياسي أن تهتم السلطة بالدعوة إلى الحوار في فترة بعينها بغية تحقيق مكاسب معينة مثلما هو وارد أن تقبل أو ترفض “المعارضة” تلك الدعوة لسبب أو لآخر في فترة أو أخرى، وكلا الطرفين هنا يمارس حقاً ويلعب بطريقته مستنداً إلى خبرته وتكتيكاته، هذا كله وارد، لكنه أيضاً لا يمنع من الاستفادة من مثل هذه الدعوة ومحاولة تحويلها من دعوة ظرفية -لو كانت كذلك بالفعل- إلى واقع وأساس يبنى عليه خاصة وأن الجميع يريد الخروج من هذا المأزق الذي صرنا فيه.
إن إطلاق سراح المسجونين اليوم سيصب في صالح عملية المصالحة والبدء في إغلاق هذا الملف وتجاوزه والعودة إلى البناء، لكن عدم إطلاق سراحهم لا يعني أبداً عدم جدية السلطة في دعوتها للحوار، ولعل ربط جدية الحوار بإطلاق سراح من تم ذكرهم في خطبة عيسى قاسم يدخل في باب الشروط التعجيزية وإن كان مطلباً يتوقع أن يسهم تحققه في تهدئة الأحوال والدخول في المرحلة الجديدة.
قراءة في الأحداث التي مرت بها البلاد وتطوراتها وطرق تفكير مختلف الأطراف تعين على استنتاج أمر غير مريح، ذلك إن تحقق الشرط المذكور وإطلاق سراح “رموز المعارضة” سيفتح الشهية على وضع شروط أخرى من شأنها أن تعقد الموضوع وصولاً إلى سد باب الحوار.