كل حديث في قضية معينة يمكن أن يصل إلى نهاية، إلا الحديث عن الحاجات الأساسية للناس، فهي تظل موجودة وتتجدد دائماً، في وضع منطقي طبيعي كونها مرتبطة بحياة الإنسان، هذا الإنسان الذي لن يعيش في هذه الدنيا إلا مرة واحدة.
زيادة الرواتب موضوع أجزم بأن جميع البشر يتكلمون فيه، حتى من هم في مناصب عليا! الجميع يريد تعديل وضعه، زيادة دخله، ويرى حاله بعين “غير راضية”.
رواتب الناس في البحرين، وهنا من الضروري أن نحدد أكثر ونقول رواتب “موظفي الحكومة” من البحرينيين شهدت زيادات على فترات زمنية متفاوتة، لكن مع هذه الزيادات لم يصل المواطن لمرحلة تامة من الرضا، باعتبار أن هذه الزيادات مازالت دون الطموح، خاصة إذا ما قورنت نسبتها بالطفرة القوية في غلاء الأسعار والعقار وغيرها من أمور تدخل في إطار المعيشة اليومية للناس.
طبعاً بالنسبة للبحرينيين العاملين في القطاع الخاص فقصتهم أخرى.
آخر الزيادات كانت كما أُعلن عنها بنسبة 30%، ورغم أنها دخلت حيز التنفيذ إلا أن الناس مازالت تنشد إقرار زيادات أكبر، وبعضهم يشير إلى أن النسبة لم تمنح بشكل كامل لجميع الموظفين، بل تفاوتت في النسب والمقدار.
المواطن اليوم ينظر لمحيطه، ينظر للدول المجاورة، يتأثر بما يحصل فيها على صعيد الخدمات المقدمة والرواتب التي تصرف، وهنا تبدأ المقارنات ولا يمكن إطلاقاً لوم الناس على ذلك، فالسؤال الذي يردده الغالبية يكمن في التالي: ولماذا لا يحصل لنا مثلما يحصل لهم؟!
هنا نقول اللهم لا حسد لأشقائنا في دول الجوار، ولكن في الوقت نفسه نضم صوتنا لصوت الناس، إذ لماذا لا يكون هناك “تغيير جذري” في أوضاعهم بالأخص فيما يتعلق برواتبهم ومداخيلهم؟!
البحرين يفترض أن تكون دولة نفطية، وشهدنا قبل سنوات طفرة غير مسبوقة للنفط قذفت بسعر البرميل إلى سقف خيالي قد لا يتكرر.
في تلك الفترة كان منطقياً أن تكون العوائد النفطية قد وصلت إلى أرقام ضخمة وكبيرة، يفترض أن نشهد إثر ذلك انعكاساً طبيعياً لها على الحياة العامة، لكن ذلك لم يحصل بشكل ملموس.
سنوات قليلة بعدها تراجع النفط، وبدأ الحديث يدور عن صعوبة تحقيق شيء مؤثر للناس بالأخص في رواتبهم لاعتبارات عدة أولها وجود عجز في ميزانية الدولة، وما يلاحظ بأن العجز يزيد مهما تم رفع سقف الموازنة العامة كل عام.
اليوم إن كان من تحد حقيقي أمام الدولة، سيكون تحدياً في سبيل تحسين وضع المواطن البحريني بشكل يجعله يتوازى أو أقلها يصل لمستوى قريب من نظرائه في الدول الخليجية المجاورة.
ليس خطأ أو عيباً، بل الخطأ أن يظل المواطن البحريني يراوح محله بينما ينظر للآخرين في دول تتشابه ظروفها معنا تتحسن أوضاعهم ويضمنون العيش في مستوى كريم ومقبول.
ترتيب الأولويات مطلوب هنا، ورصد الميزانيات لهذا الشأن فقط مسألة ملحة، خاصة إن كنا لا نريد إقرار آلية فيها إجحاف وظلم بالأخص لمن تعب على نفسه واجتهد ودرس وطور من قدراته، وهي الجدلية التي حصلت في شأن بعض الزيادات التي شهدتها الدولة أو الاقتراحات المقدمة من بعض النواب عبر تخصيص نسب زيادة أكبر لمن هم في الرواتب الدنيا، بما يجحف حق من تعب على نفسه أكثر.
بعيداً عن خلق حالة من التمييز هنا رغم أن الفئات الأكثر حاجة ستستفيد، يبقى من الضروري أن تدرس المسألة بعناية، بحيث يتم إحداث فارق نوعي في عملية الزيادات.
لو تمعنا في وضع المواطن البحريني سنرى بأنه يريد أن يعيش في وضع معقول، يريد أن يؤمن مستقبله ومستقبل أبنائه، يريد خدمات مؤثرة، لا يريد قصوراً وبيوتاً فخمة على أحدث طراز، بل يريد شيئاً مقبولاً ومناسباً.
لسنا نقول بأن الدولة لم توفر الكثير من الأمور التي لا تتوافر أصلاً في دول أكثر منا تقدماً في العالم الغربي، بل الحق يقال بأن هناك عديداً من المزايا التي يتحصل عليها المواطن البحريني والتي تؤكد الدولة نفسها على اعتبارها حقاً من حقوقه، لكننا نقول إنه بالإمكان تحسين الوضع أكثر وجعل المواطن البحريني يعيش في راحة أكبر.
فقط المسألة مرتبطة بالنوايا ولا تتم إلا عبر ترتيب الأولويات وتقديم ما يتعلق بالمواطن وما يمسه مباشرة على أي شيء آخر.
أتخيل المبالغ بالملايين التي هدرت على أمور لا تمس المواطن مباشرة، والتي وثقتها تقارير ديوان الرقابة المالية، وأتساءل لو كان مجموع هذه المبالغ -بدلاً من إهداره- رصد لمشروع زيادة رواتب الموظفين، ألم يكن حلم الناس بالتحصل على زيادة مؤثرة قد تحقق منذ زمن؟!
هذه الأمور المعيشية مهمة، ولا يمكن النظر لها باعتبارها أموراً ثانوية، إذ هي إن بقت عالقة، وتحولت لهاجس في قلوب الناس، فإنها تتحول إلى “مداخل” لأمور أخرى خطيرة تصل لمرحلة التأثير حتى على كيان الدولة واستقرارها السياسي ونموها الاقتصادي.
لا تنسوا كيف استغل من خطط للانقلاب على النظام مطالب الناس المعيشية وهمومهم اليومية وتطلعاتهم لمزيد من المكاسب، كيف استغل رغباتهم الحقيقية ليبني عليها حراكه الانقلابي الهادف لتحقيق مكاسب سياسية بحتة لا علاقة لها بتحسين وضع الناس لا من قريب ولا بعيد.
إن كان من شيء نؤكد عليه هنا في خلاصة القول بأن الشعب بالفعل يريد “زيادة” و«زيادة مؤثرة”.