هل الانتقام يجلب الراحة النفسية المفقودة التي ينتظرها الإنسان؟ ففي قصة “الثأر” لمحمد خان، أحد روّاد السينما الواقعية في مصر، نلتقي بالمهندس أحمد الذي انقلبت حياته إلى جحيم لا يُطاق بعد أن قام ثلاثة شبّان بخطف زوجته والاعتداء عليها بوحشيّةٍ، ويصمِّم على الانتقام بنفسه منهم، وبعد بحثٍ طويلٍ يعثر على سيارة تحمل نفس مواصفات السيارة المشؤومة فيقتل ثلاثة أشخاص كانوا فيها، وحينما يهِّم بقتل الرابع، يكتشف أن الشرطة قد قبضت على الجناة الحقيقيين، لكنه لا يندم على فعلته إطلاقاً، فلولا هذا التصرّف الطائش لكان قد فقد عقله! إن الشخص الذي يميل إلى الانتقام ممّن تسبّبوا في معاناته يتوهمّ أنه سيشفى من الضغوط والآلام النفسية المبرحة بمجرّد أن يأخذ بثأره منهم. ويعتقد بعض علماء النفس أن ألم المرض النفسي يتألّف من شقّين، وهما: الخوف والحزن، وهما المرضان الشائعان اللذان يشكِّلان التحدِّي والعقبة التي على الإنسان اختراقها وتجاوزها، لذا انصب اهتمام المعالجين النفسيين بشكل أساسي على تحرير الإنسان من هاتين العقدتين: من خلال النظافة الأخلاقية والتطهير الروحي، فالخوف هو مما سيأتي مستقبلاً، والحزن هو مما مضى وانقضى، وليس هناك من شعور عميق يقض المضجع مثل شعور الخوف أو الحزن. وحتى تمضي النفس في مرحلة الصعود الأخلاقية، فإنها تنتقل عبر محطات تتزوّد فيها بالطاقة الروحية لتصعد إلى مرحلة أكثر تقدماً، فهي تصعد من مرحلة “النفس الأمّارة بالسوء”، وهي تلك المرحلة المشوشة والفوضوية التي تنفعل فيها للوسط المحيط بها حيث تتعطل إرادة البناء الأخلاقية، وتشتدّ فيها المراجعة والمحاسبة والنقد الذاتي، لتبدأ بعدها في الدخول في مرحلة “النفس اللوّامة”، فإذا اكتملت هذه المرحلة، انتقلت بعدها إلى مرحلة الصعود مجدداً لاختراق جاذبية الشهوات والشبهات، إلى أن تصل إلى مرحلة “النفس المطمئنة”، حين تكون النفس قد اغتسلت من الخطايا تماماً، وتحرّر صاحبها من الأمراض النفسية، وعندئذٍ يبدأ يخامره الشعور بالأمن مقابل الخوف، والسعادة مقابل الحزن؛ ومع ذلك فإن الحلم بالانتقام، وترقّب موعد الثأر، قد يمنحانه شعوراً زائفاً بالحبور والاستقرار النفسي، لكنهما يجعلانه أسيراً لمشاعر الخوف والإحباط، فهل يتعظ الفرد بعد ذلك؟