مساء الخميس الماضي وقفت زينب الخواجة في دوار القدم متوكئة على عكاز تحملها، بينما وقف زميل لها يصورها بالفيديو لتسجيل تلك (اللحظة التاريخية) التي تظهر فيها وهي تتحدى السلطة بالتجرؤ عليها، وترديد كلمات خارجة عن الأعراف وعن الدين قبل أن تكتمل الصورة بالقبض عليها وحجزها. هذه الحادثة التي تكررت في الشهور الأخيرة حتى بدت مملة اختلف “الجمهور” إزاءها، فمنهم من وصف زينب بالبطلة التي خرجت وشاركت واعتصمت وتحدت الأمن دون أي خوف، وبدت مثالاً يعتد به وتأكيداً على قدرة المرأة على النضال، حيث دخلت في مواجهة مع الأمن رغم أنها لم تبرأ بعد من إصابة تعرضت لها في مشاركة سابقة، ومنهم من اعتبرها باحثة عن البطولة بأي وسيلة، وأنها تسعى كي تتصدر الأخبار ويتناقل الناس اسمها فتحقق بذلك أمراً يرضيها ويعوضها عن نقص ربما تحس به، ومنهم من وصفها بالدليعة التي “تستذبح” ليتم تداول صورتها واسمها وأخبارها في مواقع التواصل الاجتماعي وتحصل من ثم على المديح الذي يرضي غرورها، فتتألق كما تتألق نساء أخريات في مجالات أخرى.سبق لزينب الخواجة أن اعتصمت في دوار بشارع البديع مرتين، وقامت نساء الأمن بمنعها ولم تخرج منه إلا بعد أن تم تصويرها وهي تؤخذ (عنوة)، فاستفادت من ذلك بإطلاق اسمها على الدوار(!)، واعتبرت ذلك تكريماً مستحقاً يستوجب تكرار الفعل، فعاودت ممارسة أنشطة مماثلة حتى أصيبت ذات مرة بطلقة مسيل للدموع ما أدى إلى نقلها إلى المستشفى لتلقي العلاج ومن ثم الاختفاء فترة قبل أن تخرج من جديد وهي تحمل العكاز في محاولة فسرها البعض على أنها استعطاف، حيث اعتصمت في دوار القدم ربما لعدم علمها أن “قانون الثوار” لا يسمح أن يطلق اسمها على دوار آخر!.بعد دقائق من وقوفها في دوار القدم سارع زميلها الذي قام بتصويرها بإرسال صورتها وهي واقفة وبيدها العكاز عبر الهاتف إلى التويتر، وخلال دقائق تم تداول الصورة والخبر وتم تصنيفه على أنه خبر عاجل، فاعتبر البعض ذلك الفعل بطولة ما بعدها بطولة، بينما اعتبره آخرون دلاعة ما بعدها دلاعة. وبغض النظر عن اختلاف النظرة إلى زينب والفعل الذي قامت به وما ترمي إليه فإن البعض يرى أن تعامل الجهات المعنية “المخملي” معها هو الذي دفعها لتتمادى وتكرر الفعل نفسه بين فترة وأخرى، أي أن هذا البعض يرى أنه لو تم التعامل مع زينب الخواجة بحزم من البداية لتم تحجيمها ولما تجرأت على تكرار الفعل نفسه.. ليس فعل الوقوف في مكان ما -وإن كان بصفة اعتصام- ولكن فعل السب والشتم الذي توجهه إلى السلطة ومناداتها بالتسقيط، حيث يرى هذا البعض أن هذا التعامل المبالغ في لطافته من قبل الأمن هو الذي شجع هذه المرأة على معاودة الفعل مرات، خصوصاً وأنه يتم إطلاق سراحها بعد فترة وجيزة من احتجازها، ما يفتح الباب أمام التساؤل عن القوانين ومدى مواءمتها للأحداث في البلاد.وهكذا بدا الجمهور إزاء ما تقوم به زينب الخواجة منقسماً إلى أربعة أبعاض، أولهم يرى في فعلها بطولة وثانيهم يراه حباً في الشهرة وغروراً، وثالثهم يراه نتيجة مخملية الداخلية والقانون ورابعهم يراه دلعاً. ولعل القارئ يتساءل إلى أي بعض من أولئك الأبعاض الأربعة ينتمي كاتب المقال؛ فأقول إنني مع البعض الخامس الذي ينادي بالحريات ويقول إن من حق زينب أن تعبر عن موقفها وغضبها ورأيها، وأن من حقها أيضاً أن تبحث عن البطولة والشهرة وأن تتدلع إن شاءت، لكن بشرط عدم تجاوز الأعراف، فليس من المقبول أبداً توجيه السباب والشتائم لرأس الدولة مهما كانت الأسباب والدوافع.
{{ article.visit_count }}
970x90
{{ article.article_title }}
970x90