قلناها من قبل، لكن لا أحد صدقنا؛ هناك اليوم من يستميت في سبيل إفساد آخر روح بحرينية نبيلة، تعشق نسيم المحبة والأخوة والتسامح والإخاء والتعايش، هناك أشخاص متخصصون في وأد كل ذلك الجميل من الأخلاق والشيم البحرينية الأصيلة.
لا يريدون لأبناء الطوائف أن تتماسك أو أن تلتحم فيما بينها، بل يريدون وطناً للطوائف، وطوائف الطوائف أيضاً، يريدون أن يمزقوا الُلحمة البحرينية تمزيقاً، ويفرقوا هذا الشعب تفريقاً، هم يريدوننا أشتاتاً وأحزاباً وطوائف وطرائق قِدَدَا، لا يحبون أن يروا الناس مجتمعين على الخير والصلاح والمحبة وتأليف القلوب.
يصابون بالضجر والألم والحزن والقلق حينما يشاهدون السني يعانق الشيعي، والشيعي يقبل السني، ويصابون بالهذيان إذا رأوا أهل البحرين مجتمعين على مائدة واحدة، يأكلون ويضحكون ويفرحون، أو حين المصائب يقفون سداً واحداً في وجه العدو والغريب، يحمل بعضهم بعضاً، متماسكين كالبنيان المرصوص.
حين لم يفلحوا في تحطيم الحاضر البحريني، وجدناها يستعينون بالماضي، وما أكثرها المواقف العتيقة التي تستعدي الطوائف وتؤلبهم ضد بعض، وها هي الحفريات التاريخية بدأت (تشتغل صح) في نبش تاريخ الخلافة الإسلامية وعصر النبوة، والتنقيب عن المثالب والعيوب، لمن مات قبل خمسة عشر قرناً من الزمن، ليقولوا لأبناء الطوائف، إلا فلان، وإلا علان، لنجد العوام بعد كل تلك الاستغاثات الكاذبة، يهرجون ويمرجون في الفضائيات وفيس بوك وتويتر، في سبيل نصرة العقيدة (يا زعمْ).
ليس كل من أنشأ حساباً في تويتر أو فيس بوك أو أي موقع للتواصل الاجتماعي رجلا (تكانة)، أو أصبح مثقفاً ومتزناً ومحايداً ومحقاً ونبيلاً، بل إن في هذه المواقع الاجتماعية، نجد النطيحة والمتردية وجموع (المهاوشين)، حتى ولو كان حرف الدال يبرق قبل أسمائهم، لأننا نؤمن أن كثيراً منهم اليوم، أصبحوا مشاريع فتنة وتحريض على الكراهية بين الناس، والله تعالى يقول في معرض حديثه عن ربط البشر ببعضهم البعض عبر بوابة التقوى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).
أنت تبني وخلفك يجري ألف شيطان من الإنس يحملون معاولهم بأيديهم وألسنتهم، ليهدوا كل ما تبنيه من صنيع الخير والحب والجمال. أنت تزرع وخلفك تسير كل مشاريع الفتن، لتصرم حصادك في لحظة واحدة، ولن يهدأ لهم بال حتى يرون القبور تسير بأهلها في البحرين.
هؤلاء يتجمَّلون خلف شهاداتهم وأسمائهم وجماهيرهم وشعاراتهم وفضائياتهم ومنابرهم ومساجدهم، لكنهم في الحقيقة لا يريدون سوى السوء والخراب لهذا الوطن وأبنائه.
ربما ندرك أحيانا، أننا نحفر في الصخر، وأحيانا ندرك أننا ننقش فوق صفحات الماء، ومن المؤكد أيضاً أننا في كثير من الأحيان(نؤذّن في خرابة)، لكنها الرسالة التي يجب أن نحملها فوق ظهورنا. فهم وإن فتحوا للحرب جبهة، فنحن سنكتب للسلام صفحة، وإن حاولوا إدخال مجتمع مضطرب إلى حقل المصائب والفتن، فسنقوم بدورنا بإخماد كل صوت يجعجع للموت والفناء.
نحن اليوم في مجتمع مهووس بالطائفية، ومن هنا يصعب علينا أن نقوم بمهمتنا بطريقة سوية هادئة، لكن تيقنوا إذا فشلنا في إيصال كلمة الحب إلى الناس، فإننا بكل تأكيد لن نكون معهم أو منهم في أي موقف من مواقف الباطل، أو أن نساهم معهم في أي مشروع طائفي قذر.