الحوار الذي تدفع به دول (صديقة) للبحرين هو مخرج للوفاق من أزمتها أكثر مما هو مخرج للبحرين كدولة وكمجتمع، والهدف الأساس هو دفع الوفاق للتوقف عن افتعال الأزمات، وأن تتوقف الأعمال الإرهابية كي ينتعش الاقتصاد من جديد ذلك الذي قتلته الوفاق، وتعود الأمور لطبيعتها، ولسنا ضد الاستقرار على أية حال؛ لكننا نريد أن نحل المشكلة من جذورها ولا نريد عودة للإرهاب من جديد، ونريد أن نضع بعض النقاط على الحروف لنرى بعدها إمكانية دخول الوفاق في الحوار من عدمه، وهل ستتمكن الوفاق من الخروج من أزمتها؟
تجارب الدول الصديقة هي نموذج دولي يحتذى به، وخبرتها في هذا المجال ومعايير دولية بإمكانها أن تفيدنا، وما التزمت به أطراف الحوار في تلك التجارب كما هي التجربة الأيرلندية البريطانية مثال؛ فإننا كمجتمع بحريني لن نقبل بأقل منه.
وعليه فلن نقبل تنازلاً عن وقف العنف أولاً وتوقف العمليات الإرهابية أولاً حتى نسمح لمن سيمثلنا أن يمثلنا على طاولة الحوار، فالشعب البحريني لا يريد الجلوس مع قتلة إرهابيين ما لم يتخلوا عن العنف، هذا ما اشترطته بريطانيا على أيرلندا، ولسنا أقل إنسانية من البريطانيين ولا حقوقنا أقل.
ونهيب بأي طرف سياسي يدعى للحوار ويدعي أنه يمثل الشعب البحريني ألاّ يقبل الجلوس قبل أن تتوقف الأعمال الإرهابية تماماً، فلا مولوتوف ولا متفجرات ولا أسياخ ولا حرق، وهي كلها مازالت موجودة، والوفاق تريد أن تستخدمها ورقة تفاوض، وهذا غير مسموح به في أي دولة في العالم، ونحن لسنا بأقل من غيرنا، وقبل أن يقفل هذا الملف تماماً مثلما اشترطت بريطانيا على الأيرلنديين؛ فإن أي طرف يقبل بالحوار هو خائن للوطن والشعب البحريني، حتى لو كان هذا الطرف طرفاً “رسمياً”!!
كذلك لا تسمح أي دولة في العالم بأن يساوم أي طرف تفاوضي على إنفاذ القانون، فالقانون ليس ورقة تفاوضية في أي بلد في العالم، خصوصاً حين تعرض هذه الورقة تحت ضغط العمليات الإرهابية المستمرة، تلك أمور لا يتفاوض عليها أحد، من يتفاوض مع الإرهابيين على تجاوز المبادئ العدلية فإنه يفتح باب جهنم على المجتمع كله؛ إذ يخضع الدولة للابتزاز ويسمح لكل الأطراف من بعد ذلك أن تتخذ هذا النهج سبيلاً، وليست هناك دولة في العالم تهدم أساسها بيدها.
هاتان الورقتان هما معايير دولية استنتها الدول بتجارب سابقة ومماثلة، ومشكلة الوفاق أن تلك الورقتين هما ذخيرة شريحة من الوفاق و(جوكرهما)، وهذه الشريحة هي الصوت الأعلى وهي المسيطرة داخل الائتلاف الوفاقي على القرار النهائي، لذلك لا أتوقع أن تتمكن الوفاق من الدخول في الحوار إلا بعد أن يتم إخراج هذه الشريحة والتخلي عنها والتبرؤ منها، أو على الأقل تحجيمها وتجاوزها في عملية اتخاذ القرار، وشخصياً أرى صعوبة في ذلك، أرى صعوبة في سيطرة الشريحة ذات الصلة (بالأصدقاء) الغربيين على الشريحة ذات الصلة (بالأصدقاء) الشرقيين.
فخطابات الشريحة (الأمريكية البريطانية) -حتى نلعب على المكشوف- والتي تتغزل بالسلمية وتخاطب بها المجتمع الدولي لتبرئة ذمتها، ما عادت تغني عن الانفصال التام عن الشريحة الأخرى (الإيرانية العراقية اللبنانية) والمسؤولة عن ممارسة العنف والإرهاب، فالمجتمع الدولي والأصدقاء رأوا بأم أعينهم الإرهاب والعنف وزاروا الضحايا، وقصة أبهرتم العالم بسلميتكم لم تعد تنطلي على أحد! فالانفصال عن الشريحة الثانية بات استحقاقاً دولياً بعد أن كان محلياً، وهذا الانفصال يحتاج لشجاعة ولشخصيات مبادرة وهو ما تفتقده الشريحة الغربية!
ثانياً؛ من الصعب على الوفاق التخلي عن الشارع الآخر (العراقي الإيراني) وهي تبقي حبل الود موصولاً معه بخطاب يرضيه ويدغدغ مشاعره، فتضخم له إنجازاتها وتشتم به المؤسسات الأمنية، وتستخدم المصطلحات التي ترضيه؛ فمسيل الدموع (غازات سامة) والموقوفون (معتقلون) وحتى من تكرههم ولا تطيق رؤيتهم من رفاق الدرب تسميهم (رموزاً) إرضاءً لذلك الشارع، رغم أن الكل يعرف ما بينهما من تنافر، ورجال الأمن تسميهم (مرتزقة) وهكذا.. تبقي على الحبل السري موصولاً مع ذلك الشارع معتقدة أن هذا الشارع هو ورقتها التفاوضية، وتلك رمانتان من الصعب السيطرة عليهما معاً أو الاحتفاظ بهما إلى الأبد، الشريحة التي تريد الحوار وتتمنى السيطرة على العنف مترددة تقدم رِجلاً وتؤخر أخرى وتبقي على الشارع مخدراً إلى حين تتمكن من اتخاذ القرار، ولن تستطيع أن تتخذ القرار.
وأي شخصية وفاقية تتجرأ وتتخلى عن الشارع الإيراني العراقي منفردة فإن ذلك نهايتها وإرهاب ذلك الشارع سيتوجه لها كما حدث حين صدرت بعض البوادر من بعض الشخصيات، فوجدت نفسها وحيدة في مرمى السهام واضطرت أن تتوارى وتختفي أو تصمت وتقلل من الظهور الإعلامي، ما لم تتمكن الشريحة التي تريد الدخول في الحوار أن تتحرك جماعياً وتواجه الشريحة الأخرى، فإن الفرص ستضيع الواحدة تلو الأخرى.
من جهة أخرى الشريحة الشرقية ورقة إقليمية تستخدمها إيران، قبولها بالحوار رهن بنتائج سوريا ونتائج الملف النووي الإيراني والعقوبات الإيرانية، وقرارها في طهران، أما الشريحة الغربية فتنتظر دعماً على الأقل من عيسى قاسم لتأخذ زمام المبادرة، وعيسى قاسم متردد.. لهذا فإن الوفاق لن تتمكن من السيطرة على العنف، فذلك خارج نطاقها واختصاصها، وبالتالي لن تتمكن من الدخول في الحوار، بالمقابل لأن الأسباب التي جعلتها تخسر كل المبادرات السابقة مازالت كما هي لم تتغير.