كم هي لحظات جميلة نمضيها في رمضان فهو شهر الخير والغفران.. أحاول كل يوم أن أستيقظ قبل الجميع، أحياناً أحضّر السحور، أيقظ أهلي، نتسحر جميعاً، أصلي الفجر، أنام حتى قبل الظهيرة، سويعات بعد سهر جميل في طاعة الله مع زوجتي وأصدقائي، إنها سويعات لا توصف لذّتها، تشعر وكأنك تتعبد الله في نومك، أصلّي الظهر، أقرأ وأتلو ما تيسّر، أفتح بريدي الإلكتروني، أذهب إلى أعمالي اليومية الحياتية..
كل يوم في رمضان أبدأ بالسلام على نفسي، وأحييها بكل كلمات الترحيب، وأغدق عليها بالكلام الجميل، أسلم على كل من قابلني، ابتسم في وجه كل من واجهته، فيأتي إلى نفسي شعور جميل عندما أرى الابتسامات ارتسمت على وجوه الناس، أجد نظراتهم تشعرني بأني فعلت الكثير والكثير، وهذا همي اليومي وأكثر ما يهمني مساعدة الناس وتقديم كل ما بوسعي من خدمات لعل الله يغفر تقصيري تجاه عز وجل، وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم (أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً ولأن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في هذا المسجد)، وهذا أسهل بألف مرة من الاستيقاظ متأخراً والتأفف والتذمر من هذا ومن ذاك..
بعد يوم جميل ورائع، أكون عائداً إلى منزلي ماشياً بسيارتي في طريقي المزدحم، فلا أتضجر من الزحمة بل أجد لذة بالانتظار، لأني أستفيد من انتظاري في سيارتي بسماع شيء مفيد.. وفجأة أنظر حولي تحت شمس الصيف التي بخّرت ما تبقى من الماء في جسد عجوز مثقل بالأكياس يحملها يسير أمامي، ومازال يمشي تذكرت حاله وحالي..!!! أوقفت سيارتي ركضت إليه حملت الأكياس، حاولت أن أحمله معي إلى بيتي لكنه أعتذر بتلطف، نظر إلي وابتسم ‘جزاك الله خيراً يا ولدي’، سرت معه حتى أوصلته إلى هدفه، وضعت الأكياس، سلمت عليه، ابتسم مرة أخرى قائلاً ‘بارك الله فيك ولدي’، تابعت سيري إلى منزلي، لم أنتبه أني اقتربت كثيراً من المنزل، لقد وصلت ولم أشعر بالطريق، كان قصيراً جداً وهيّناً..
دخلت المنزل سلمت على زوجتي وأولادي، شكرتها على تعبها بتجهيز الإفطار لنا، استرحت قليلاً، ذهبت لحظات إلى المطبخ كي أساعد زوجتي في بتجهيز الإفطار، تلاها لحظات أداعب أولادي، بالله لم يبق الكثير من الوقت، لقد اقترب وقت الأذان، قبيل الأذان، أتهافت مع زوجتي وأولادي، أحدنا يحضر العصير، والآخر انتهى من تحضير السلطة، وآخر يسكب الطعام، أذن المؤذن، داعياً الله عز وجل في هذه اللحظات المباركة، باسم الله بدأنا نفطر سوياً على تمرات وشيء من الشوربة والسمبوسة وقليل من الماء..
اذهب لصلاة المغرب، أعود من صلاة المغرب، أكمل إفطاري مع قضاء وقت جميل بالتحدث مع الأهل والتسلية، حتى وقت أذان العشاء، ومن الجميل أن تصلي العشاء والتراويح يؤمك أحد القراء ذا الصوت الجميل يطربك ويشنف أذنك كأنه مزمار من مزامير داوود..
ويوم من الأسبوع أخصصه لأصدقائي، أحاول فيها قضاء ليلة مع الأصدقاء والأقارب في طاعة الله نتبادل الآراء الجميلة والأحاديث الشيقة، نجتمع نفطر معاً نتسحر سوياً..
يوم في رمضان على هذا النحو، شعور لا يوصف، بلا تذمر ولا تأفف، ولا أحمل الناس جميلة بأني صائم، وأعتبر نفسي عملت شيئاً كثيراً لما صلّيت وصمت بل هي نفسي التي أحاول أجعلها تتلذذ بكل لحظة من لحظات حياتي، طاعة في كل لحظة، وفرح وسرور في كل حين، وهكذا أمضي رمضان في كل يوم وكل ليلة وأسأل الله أن يثبتني على ذلك..
ومضة:
أجد كثيراً من الناس نوم طول النهار، وسهر على التلفاز طول الليل حتى الفجر، للأسف كثير ضلّوا وأضلوا، ليلهم لعب ولهو، ونهارهم سهد، ويدّعون أنهم يعيشون اللحظات الرمضانية، فلنتق الله ولنكن صادقين مع أنفسنا.. لنغير أنفسنا للأفضل، بل هذا أقل وأدنى ما نقدمه لأنفسنا، لنعيش بسعادة وهناء ليس في أيام رمضان، بل في أيامنا كلها..