حين تكذب الوفاق على جمهورها هي حرة؛ وحين تنكر أمام جمهورها وجود ضحايا لإرهاب جماعتها وتنكر وجود معاناة عند البشر الآخرين ولا ترى ولا تسمع أنينهم أمام جمهورها هي حرة، حين تفقد حسها الإنساني فلا تذكر اسم أحد ضحاياها من قتلى ومصابين بعاهات وحروق وكسور وأسر فقدت معيلها أمام جمهورها فهي حرة، ذلك مستواها وذلك جمهور قابل بالغيبوبة.
لكن أن تنكر ذلك أمام وزير العدل فهنا هي ليست حرة، فوزير العدل على رأس سلطة في الدولة المناط بها الحفاظ على الحق العام، ولا يملك حتى وزير العدل أن يتنازل عن هذا الحق، وهو ليس حراً في ترك الوفاق تتجاهل ضحاياها أمامه، وكان لابدّ من إثبات أحقية هؤلاء الضحايا والحفاظ على كرامتهم فتلك مسؤولية ملقاة على عاتق أي جهة رسمية أو غير رسمية تجلس مع الوفاق. إصرار الوفاق أو زعيمها عيسى قاسم في خطبته الأخيرة بالتهديد بإطلاق سراح من يحاكمون بحجة أن ما حدث كان حراكاً سلمياً، وإصرارهم على أن من يحاكم الآن هو معتقل رأي، إنكار لحق الضحايا الذين سقطوا وإنكار لحق ذويهم وعدم اعتراف بوجودهم، ولا نسمح لأي سلطة تنفيذية أن تتنازل عن حق هؤلاء او تقصر في الدفاع عنهم، القضاء وحده من يثب براءتهم أو إدانتهم ولا يحق لكائن من كان التدخل في القضاء وإلا تركنا الناس تأخذ ثارها بيدها.
أسر هؤلاء ينتظرون القصاص لأبنائهم، فإن كانت الوفاق تصر على محاكمة من ارتكب خطأ أو جرماً وذلك حق للضحاياهم؛ فإن الآخرين أيضاً من حقهم الإصرار على محاكمة المسؤولين عمّا حدث للوطن بأسره وللضحايا المدنيين والعسكريين منه وتلك حقوقهم.
أما الحق العام فيفترض أن تكون مؤسسات الدولة ممثلة بالجسم القضائي ومعه السلطة التنفيذية والتشريعية حماة له، وكلها مؤسسات ممثلة بشخوص مسؤولة أمام الله وأمام ذوي الضحايا لا تملك أن تتنازل عن ذلك الحق العام؛ بما فيه الحق الأدبي. وحين تقبل السلطة أن تستمع إلى (تقريع) لجنة دولية على مرآى ومسمع من العالم، وتقبل بالعمل بتوصيات تقر من خلالها (بالأخطاء) التي وقعت فيها أثناء التعامل مع الإرهاب والعنف، وتتعامل مع ذوي الضحايا وأسرهم من خلال صندوق للتعويضات فذلك شأنها، لكن ليس من حق أي سلطة رسمية أن تسمح للوفاق أن تمرر إنكار وجود ضحايا لإرهابها دون وقفة محاسبة ومواجهة، فتلك الجهة الرسمية تتحمل مسؤولية حماية الحق العام والحق الخاص لذوي الضحايا.
فإلى هذه اللحظة ينكر حزب الدعوة وحزب الله وجود ضحايا لهم، وكأن البشر الذين سقطوا دهساً وحرقاً ورمياً بالأسياخ هم حشرات نكرات لا يعرف لهم اسم ولا وجود، إلى هذه اللحظة تصر الوفاق وصحيفتها ورجال دينها على عدم الاعتراف بالأخطاء الجسيمة التي وقعت فيها هذه الأطراف، وتصر على عدم الاعتراف بوقوع ضحايا من الجانب الآخر، وقد نسيت إذا كان الجهة المخاطبة هم جمهورها، ولكن أن يكون ذلك الإنكار في حضرة مسؤولي الدولة فلا نقبل بذلك.
تمادي الوفاق في غيها وطغيانها وإرهابها جعلها تنحدر إلى درك يغيب عنها حتى الحس الإنساني الفطري، فلا تعترف حتى بوجود الضحايا استهانة بمصابهم، وكأنهم ليسوا بشراً، وربما صدقت نفسها حين ادعت بأن من تعرض للدهس كان دمية، وانعدم الحس الإنساني لدرجة أن انصب جدلها عن الإنسان البسيط الذي قطعوا لسانه وتركوه بين الحياة والموت إن كان مؤذناً أم كان عاملاً في شركة، فلم يقفوا عند ما تعرض له هذا الإنسان، بل وقفوا عند الجدل حول وظيفته.. إلى هذه الدرجة انعدم الإحساس؟!! لذا أطالب وزير العدل أن يتحمل مسؤوليته في إثبات حقوق هؤلاء الضحايا في اجتماع أو بتصريح يطمئن الناس أن الدولة لن تتدخل في القضاء، وكذلك أقترح على معالي الشيخ خالد بن علي أن تكون الاجتماعات التالية التي سيعقدها مع الجماعات الإرهابية أن تكون بحضور ذوي القتلى وعددهم يوازي عدد من قتل من جانبهم، ويستدعي أيضاً المصابين بعاهات وبحروق وبكسور وعددهم بالمئات، ويرتب زيارة (لمعالي) أعضاء الجمعيات السياسية -فوق البشرية- للمستشفيات في أقسام العناية القصوى والحروق ليزوروا ويتعرفوا على ضحاياهم ويضعوا عيونهم في عيون تلك الضحايا ويقولوا بعدها أن من يحاكم الآن يحاكم لأنه عبر عن رأيه! وجودهم في مبنى وزارة العدل فرصة أن يركبوا باصاً ويؤخذوا ليزوروا الضحايا واحداً واحداً.
ضحايا عنف السلطة أقرت بهم رغم أن السلطة لم تكن تتعامل مع قوة ناعمة بل كانت تتعامل مع إرهاب، وحين نتعامل مع ذويهم وأسرهم فإننا ننظر إلى الجانب الإنساني لذوي هؤلاء الضحايا، لا الجانب السياسي ولا الأمني، وننظر إلى ذويهم وأسرهم الذين لا ذنب لهم، فلا أقل من نظرة إنسانية لذوي وأسر قتلاكم وضحايا عنفكم.. قليل من الحياء.. قليل من الإنسانية.. بعض من الحس.. هل انتفى هذا كله؟ ألا شاهت الوجوه.
فإن انتفى الحس الإنساني فإننا نحمل وزير العدل أو أي جهة ستجلس مع الوفاق مرة أخرى أن لا تسمح لها أبداً بإنكار من سقط من الضحايا وإنكار حقهم في القصاص وإنكار الحق العام. أما من تسمونهم (رموزاً) وتريدون إطلاق سراحهم دون محاكمة فقد كانوا على منصة تترأس الاجتماعات العامة وتنطلق من بعد تلك الاجتماعات قوافل القتل التي أحدثت ما أحدثت من دمار على أرض وطننا في المستشفى وفي الجامعات وفي المدارس وفي الطرقات العامة، ولم يستنكر أحد ممن تسمونهم رموزاً تلك الأفعال، ولم يمنع فيهم أحد ما حدث من إرهاب وقتل إلى هذه اللحظة؛ بل كانوا يسمون ضحاياهم أسرى!
حماية الحق العام مسؤولية سلطات الدولة، والمجتمع لا يأمن على نفسه إلا حين يرى السلطات قائمة بواجبها، فإن قصرت تلك السلطات تصرف المجتمع وفق حاجته للأمن، وهو تصرف رغم فوضاه إلا أنه يعد تصرفاً مشروعاً في ذلك الحين، فليتحمل كل منا مسؤوليته وفقاً لما يتطلبه موقعه.
وكلنا بانتظار 14 أغسطس.. وليس أنتم فقط.