تعقيباً على مقال “الكذب عندما يكون معارضاً”، وصلني التعقيب التالي: “الكذب هو الكذب أكان معارضاً أو حكومياً، فلماذا لا ترى إلا كذب المعارضة في الإعلام، وهي تدافع عن نفسها، أو تحاول كسب جمهور المتعاطفين في الداخل والخارج؟ لماذا لا ترى الإعلام الرسمي وشبه الرسمي الذي يزيف الوعي بقلب الحقائق؟ إذا أردت أن تكون موضوعياً يجب أن توازن في كلامك بين هذا وذاك؟” انتهى التعقيب.
قلت لصاحب التعقيب: نعم الكذب هو الكذب ويجب أن نكون جميعاً ضد الكذب مهما كان مأتاه، ومهما كانت أسبابه ومبرراته، ولذلك لا يمكن أن نبرر الكذب بالدفاع عن النفس أو بكسب الأصدقاء والمريدين، لأن ما بني على باطل فهو باطل، وما بني على التزييف والغش لا يمكن أن يكون مفيداً للبشر، وعندما يخرج علينا معارض بارز (وليس مجرد مهرج صغير أو لاعب تويتر هاوٍ) على إذاعة البي بي سي (وليس على إذاعة الهونو لولو) ليقول بكل وضوح “تجري حالياً عمليات اغتصاب جماعي”، يكون من حقنا -وقتها- أن نقول إن هذه قمة الوقاحة وقلة الحياء والكذب السفيه لإثارة الفتن والدعوة إلى الاحتراب الأهلي، مع أن الفيصل هنا هو الحقائق، والحقائق جاءت في تقرير “تقصي الحقائق” الذي يستشهد به المعارض ذاته في كل لقاء ومناسبة، تقصي الحقائق نفى أن يكون هناك أي نوع من هذه الانتهاكات.
هذا النوع من المعارضة الذي لا يجد غير الكذب والتضليل طريقاً لكسب المريدين والأصدقاء في الداخل والخارج، لا يمكن أن تكتسب أي مصداقية، تراهن على الخارج، تعد له فراش الخطيئة، تعلن أنها الأعلى، إنهم الأكثر فهماً ووعياً وحرصاً على مصلحة البلاد والعباد.. تقزم جميع من يختلف معهم في السلطة أو في المعارضة الأخرى، تقزم العقول النيرة، كأنّ قاموس المزايدة، نفس الوجوه تسبح في حلقة مفرغة، تردد نفس العبارات والشعارات والصياغات والاتهامات وتبرر نفس التجاوزات.. نفس الوجوه، نفس الأسماء، نفس الألقاب والكلمات والعناوين من أكثر من نصف قرن دون تغيير.. ظاهرة كيمائية غريبة: كائنات هوائية، تؤسس لنوع من العقم الأبدي، المتولد عن العقم الفكري، لا يقرؤون غير ما يكتبون، ولا يسمعون إلا أصواتهم، ولا يشاهدون إلا صورهم المنثورة على الأوراق المصقولة، ولا يناقشون غير أفكارهم، لا يشعرون بوجود الأشياء من حولهم لحالة التضخم التي تتملكهم. لا ينظرون إلى الذين يراكمون الإنجازات، من خلال مواقف ومقاربات تتناول كلّ الشأن الوطني، وكأن نرجسيّتهم تدفعهم نحو التضحية بكلّ مقدّس لإرضاء الغرور الشخصي، يؤثرون الحلول العدمية على الحل الواقعي الوحيد المنسجم مع مصلحة المواطن، ولذلك لا غرابة أن نكتشف اليوم حقيقة مفزعة هي وليدة الإفلاس الفكري والسياسي والأخلاقي، بأن نسق القيم الثقافي الذي نشأ ونما مع نشوء ونمو الشعور الوطني والقومي والإنساني التحرري يتعرض اليوم للانهيار في الحياة العامة، وفي الإعلام، من خلال الانفصال عن قضايا الناس الحقيقية وإشغالهم بمعارك وهمية ضد أنفسهم وضد وطنهم، وبالانفصال عن العقلانية والوطنية والقومية والتراجع عن الثوابت تحولت بعض هذه الشرائح العدمية إلى تنفيذ عملية انتحار جماعي، عندما تحولت إلى ممارسة العنف والتطرف الذي يريد نسف الشرعيات القائمة وزرع التدمير الذاتي بديلاً عنها، وفرض شرعيات وهمية، يغلقون الأبواب والنوافذ والفضاء على جمهورهم بالتحريم والتمويه لكي يظل سجين الرواية المفبركة.
هؤلاء “الديمقراطيون الجدد” أسوأ اليوم من الأنظمة التي يدعون محاربتها، وأكثر شراسة وعدوانية وقمعاً للرأي والحريات، لأن الحكومات لا تستطيع “أن تكذب” حتى وإن أرادت، لأن هناك من يحاسبها في الداخل وفي الخارج، إنها تحت الأضواء الكاشفة على مدار الساعة، في حين أن مدعي الديمقراطية الجديدة، يريدون تكميم جميع الأفواه التي لا تتفق معهم في الرأي!
قلت لصاحب التعقيب: نعم الكذب هو الكذب ويجب أن نكون جميعاً ضد الكذب مهما كان مأتاه، ومهما كانت أسبابه ومبرراته، ولذلك لا يمكن أن نبرر الكذب بالدفاع عن النفس أو بكسب الأصدقاء والمريدين، لأن ما بني على باطل فهو باطل، وما بني على التزييف والغش لا يمكن أن يكون مفيداً للبشر، وعندما يخرج علينا معارض بارز (وليس مجرد مهرج صغير أو لاعب تويتر هاوٍ) على إذاعة البي بي سي (وليس على إذاعة الهونو لولو) ليقول بكل وضوح “تجري حالياً عمليات اغتصاب جماعي”، يكون من حقنا -وقتها- أن نقول إن هذه قمة الوقاحة وقلة الحياء والكذب السفيه لإثارة الفتن والدعوة إلى الاحتراب الأهلي، مع أن الفيصل هنا هو الحقائق، والحقائق جاءت في تقرير “تقصي الحقائق” الذي يستشهد به المعارض ذاته في كل لقاء ومناسبة، تقصي الحقائق نفى أن يكون هناك أي نوع من هذه الانتهاكات.
هذا النوع من المعارضة الذي لا يجد غير الكذب والتضليل طريقاً لكسب المريدين والأصدقاء في الداخل والخارج، لا يمكن أن تكتسب أي مصداقية، تراهن على الخارج، تعد له فراش الخطيئة، تعلن أنها الأعلى، إنهم الأكثر فهماً ووعياً وحرصاً على مصلحة البلاد والعباد.. تقزم جميع من يختلف معهم في السلطة أو في المعارضة الأخرى، تقزم العقول النيرة، كأنّ قاموس المزايدة، نفس الوجوه تسبح في حلقة مفرغة، تردد نفس العبارات والشعارات والصياغات والاتهامات وتبرر نفس التجاوزات.. نفس الوجوه، نفس الأسماء، نفس الألقاب والكلمات والعناوين من أكثر من نصف قرن دون تغيير.. ظاهرة كيمائية غريبة: كائنات هوائية، تؤسس لنوع من العقم الأبدي، المتولد عن العقم الفكري، لا يقرؤون غير ما يكتبون، ولا يسمعون إلا أصواتهم، ولا يشاهدون إلا صورهم المنثورة على الأوراق المصقولة، ولا يناقشون غير أفكارهم، لا يشعرون بوجود الأشياء من حولهم لحالة التضخم التي تتملكهم. لا ينظرون إلى الذين يراكمون الإنجازات، من خلال مواقف ومقاربات تتناول كلّ الشأن الوطني، وكأن نرجسيّتهم تدفعهم نحو التضحية بكلّ مقدّس لإرضاء الغرور الشخصي، يؤثرون الحلول العدمية على الحل الواقعي الوحيد المنسجم مع مصلحة المواطن، ولذلك لا غرابة أن نكتشف اليوم حقيقة مفزعة هي وليدة الإفلاس الفكري والسياسي والأخلاقي، بأن نسق القيم الثقافي الذي نشأ ونما مع نشوء ونمو الشعور الوطني والقومي والإنساني التحرري يتعرض اليوم للانهيار في الحياة العامة، وفي الإعلام، من خلال الانفصال عن قضايا الناس الحقيقية وإشغالهم بمعارك وهمية ضد أنفسهم وضد وطنهم، وبالانفصال عن العقلانية والوطنية والقومية والتراجع عن الثوابت تحولت بعض هذه الشرائح العدمية إلى تنفيذ عملية انتحار جماعي، عندما تحولت إلى ممارسة العنف والتطرف الذي يريد نسف الشرعيات القائمة وزرع التدمير الذاتي بديلاً عنها، وفرض شرعيات وهمية، يغلقون الأبواب والنوافذ والفضاء على جمهورهم بالتحريم والتمويه لكي يظل سجين الرواية المفبركة.
هؤلاء “الديمقراطيون الجدد” أسوأ اليوم من الأنظمة التي يدعون محاربتها، وأكثر شراسة وعدوانية وقمعاً للرأي والحريات، لأن الحكومات لا تستطيع “أن تكذب” حتى وإن أرادت، لأن هناك من يحاسبها في الداخل وفي الخارج، إنها تحت الأضواء الكاشفة على مدار الساعة، في حين أن مدعي الديمقراطية الجديدة، يريدون تكميم جميع الأفواه التي لا تتفق معهم في الرأي!