ما يقوم به رئيس تحرير جريدة الوسط على مدى ثلاثة أيام هو خلط بين الموقف الإنساني والموقف السياسي للقيادة، وهذا تضليل للرأي العام في وقت تشخص فيه الأبصار من الأطياف البحرينية كافة لمعرفة موقف القيادة السياسي من تبعات الأزمة، وتلك لعمري استغلالية بشعة لا يمكن أن نتغاضى عنها في هذا الوقت بالذات.

فالموقف الإنساني هو واحد عند جميع أهل البحرين، وهو تمنياتنا جميعاً بالشفاء لرئيس التحرير، وأن يعود سالماً معافى لأهله وأبنائه، وألا يري الله أحداً مكروهاً في عافيته وفي بدنه، هذا لا جدال فيه، فلا نحن الذين نشمت ولا نحن الذين نضمر الشر ولا نخلط بين المواقف الإنسانية والمواقف السياسية وطيبة أهل البحرين شيمة من شيمهم كلهم، بدءاً من جلالة الملك إلى رئيس الوزراء إلى ولي العهد إلى كل العائلة الكريمة إلى كل المسؤولين والقياديين إلى بقية المجتمع البحريني كبيرهم وصغيرهم نساؤهم و رجالهم.

وعموماً ليست هي المرة الأولى التي تفرق وتفصل فيها القيادة السياسية للدولة بين الموقف السياسي والموقف الإنساني، إذ لا يمكن أن ننسى حين زار جلالة الملك المواطن عيسى قاسم في المستشفى وقبله متمنياً له الشفاء، رغم وجود الخلاف السياسي، تلك شيم الإنسان الراقي المتحضر وهذه (عوايدنا) نتزاور ونتبادل التهاني أو التعازي في الأفراح وفي الأحزان مهما اشتد الخلاف بيننا، لكننا في الأزمات الإنسانية قلب واحد.

أما الآن فنحن في أزمة سياسية وخلاف سياسي اصطف فيه رئيس التحرير مع أحد الأطراف، وهذه ليست طريقة لطي صفحة الماضي، فاليوم يهتم الرأي العام بكل خطوة وكل تصريح وكل كلمة وكل حرف وكل خطوة تقوم بها القيادة، وكلها توضع تحت المجهر في حينها ومن كل الأطراف، وتحلل وتقاس ويحسب عليها ويبنى عليها مواقف سياسية، ورئيس التحرير يعرف ذلك جيداً.

ولهذا فإنه حين يخصص نصف الصفحة الأولى -التي تخصص عادة للأخبار ذات الأهمية وذات الدلالة السياسية العامة- لنشر صور وبرقيات وزيارات القيادة لشخصه، فإن اللبس عند الرأي العام بين الموقف الإنساني للزيارة الذي لا خلاف عليه وبين الموقف السياسي المختلف عليه أكثر من وارد بل حتمي.

ولو كان النشر اقتصر على مقال خاص برئيس التحرير يشكر فيه القيادة فإن الأمر كان سيبقى في حدود العرف المهني، فالمقال يتحمل الحديث في الشأن الخاص، أو كان الأمر ما جرت العادة إعلاناً مدفوع الثمن للشكر، فإن الأمر أيضاً يبقى في حدود العرف المهني، أما أن تنشر تلك البرقيات وأخبار الزيارات في الصفحة الأولى فإنه لابد أن تتجاوز القراءات والتحليلات الموقف الإنساني الخاص وتمتد للشأن العام، فالصحف تظل منبراً عاماً في نهاية المطاف، وما ينشر في الصفحة الأولى منها بالأخص له دلالات عامة، خصوصاً النصف العلوي فهي للخبر العام، ويخصص للأحداث التي تنعكس أهميتها على شأن عام يهم القارئ ويمسه في حياته، هذا عرف وتقليد مهني يعرفه من يحبو في عالم الصحافة، ولا يمكن أن تغيب تلك البديهيات عن أصغر صحفي مبتدئ في أي صحيفة، وعليه فلا يمكن إلا أن نقول إن الخلط مقصود.

وفي وقت أزمة كالتي نمر بها فإنه تدليس خطير وتغليب لمصلحة شخصية بشكل غير إنساني تماماً، بل يصل لحد الاستغلال السيئ والخبيث للمواقف الإنسانية، ويضع القيادة في موقف حرج يضطرها فيه أن تشرح وتوضح، وهي التي قامت بما يقتضيه عليها حسها الإنساني المتحضر فحسب فجعلها تبدو وكأنها انحياز لموقف سياسي معين.

فهل للزيارة أغراض سياسية؟ هل هناك مستجدات تتجاوز التمنيات بالشفاء؟ من حق الرأي العام أن يعرف.. مع تمنياتنا لكم بالشفاء.