رغم تذييل موقع «إذاعة صوت روسيا» الخبر الذي نقله عن موقع «ديبكا فايل» الإسرائيلي بملاحظة تقول «نشير في إذاعة «صوت روسيا» إلى أن المعلومات التي ينشرها موقع «ديبكا فايل» والتي لا يندر أن تنقلها سائر وسائل الإعلام غير صادقة في معظم الأحيان»، لكن بثها على الموقع يثير أكثر من علامة استفهام، ويوحي بأن هناك شيئاً من الصحة في ثنايا ما جاء به الموقع الإسرائيلي، المعروف، كما تقول عنه «إذاعة صوت روسيا» بصلاته بالاستخبارات الإسرائيلية والأمريكية.
فحوى ذلك الخبر «أن الرئيس السوري بشار الأسد أكد في اتصال هاتفي سري للكرملين يوم الأحد 1 يوليو الماضي أنه بحاجة إلى شهرين فقط لإنهاء التمرد ضد نظامه. وقال في اتصال سري بواسطة جسر تلفزيوني مع مسؤولين من المخابرات والخارجية الروسية لهم دور في وضع السياسات الروسية بشأن سوريا: «إن تكتيكاتي العسكرية الجديدة بدأت تعمل».
وترتكز تلك التكتيكات العسكرية على محورين أساسيين: أولهما «استبدال واسع لمعظم القادة العسكريين القدماء الذين قادوا الهجوم الدامي على المسلحين ومعارضي النظام على مدى 16 شهراً. بعد أن استنزفت رغبتهم في مواصلة القتال، «على أن يركز»القادة الجدد على الحد من الانشقاقات». وثانيهما «تسليح القادة الجدد بقوة نيران إضافية، أي دبابات إضافية ووحدات مدفعية، وقاذفات ومروحيات هجومية لتحطيم جيوب التسلح، وبصلاحيات غير محدودة لاستخدام القوة».
بغض النظر، صحت تسريبات الموقع الإسرائيلي أم أنها أخضعت «لتحسينات» إعلامية كي تخدم أهداف مشروعات إسرائيل تجاه المنطقة، تبقى مؤشرات سلوك نظام بشار الأسد منسجمة مع ما جاء في ذلك الخبر، وهي تمسكه بالسلطة، وعدم رغبته في تقديم تنازلات جوهرية تنقل الصراع مع من يعارضوه من المستوى الصدامي المسلح، إلى دائرة الحوار السياسي الباحث عن مخرج مشترك.
من يعرف جوهر السياسة الداخلية السورية الحالية التي تستند في جذورها إلى نظام حافظ الأسد الأب، بوسعه أن يرى أن جوهر ما جاء في ذلك التقرير، فيه بعض المؤشرات التي تستحق التوقف عندها، تدعمها الحقائق التالية:
1- تسلط الأقلية على الأغلبية، فرغم العنوان الذي يستخدمه النظام وهو «حزب البعث العربي الاشتراكي»، لكن مقاليد الحكم في يد الأقلية العلوية، مقابل أغلبيات أخرى، الأهم من بينها الطائفة السنية. وفي ظل الاستقطاب الطائفي الذي يسود المنطقة العربية، ومن بينها، بطبيعة الحال، سوريا، تطفو على السطح الخلافات الطائفية، المغلفة ببعض الشعارات القومية، أو المدنية. هذا الحكم الفئوي المتسلط، لا يجد أمامه من خيار آخر، يغطي به مخاوفه من الأغلبيات الأخرى، سوى القمع، والاستعانة بالأداة العسكرية لحسم الأمور لصالح تلك الأقلية، عند نشوب أي خلاف بينها وبين تلك الأغلبيات، وهو ما تشهده الساحة السورية منذ ما يقارب العامين. وهذا ما يجعل المتابع لتطوراتها يميل إلى القبول بما جاء في تقرير «ديبكا فايل» المشار إليه أعلاه.
2- ذهنية النظام القائمة على أسلوب القمع عند مواجهة أي تحرك شعبي، وهي خلفية تسود سلوك هذا النظام منذ أن تأسس إثر الحركة التصحيحية التي قادها حافظ الأسد «الأب»، ضد رفاقه من حزب «البعث العربي الاشتراكي» في نهاية الستينيات من القرن الماضي، ثم أعادها بشكل أكثر دموية في مطلع الثمانينيات في معالجة للاضطرابات التي عمت الشمال السوري، وفي المقدمة منه مدينتي حلب وحماة، حيث أرسلت القوات المسلحة كي تجتاح المدينتين والتنكيل بسكانهما، بل وحتى عدم التردد في إعادة هندسة تركيبتهما العمرانية والسكانية.
3- رفض التحالفات، ونبذ الحوارات، فهي مفردات غير موجودة في ذهنية الفئة من الطائفة العلوية التي تحكم سوريا اليوم، وربما نجد فيما كان يعرف باسم «الجبهة الوطنية التقدمية» التي وافق البعث على إقامتها بالتحالف مع الحزب الشيوعي السوري، وقوى سياسية أخرى، في أواخر السبعينيات من القرن الماضي شواهد كثيرة حية تثبت أن اللغة التي يعرفها القائمون على السلطة في دمشق اليوم، هي تبعية القوى السياسية الأخرى لهم، وقبولها بالسير في دبرهم، إن هي أرادت أن تنعم بحق ممارسة العمل السياسي.
تأسيساً على ذلك، لا نشك في أن يبادر الأسد بتصعيد عملياته العسكرية ضد مناوئيه، مستفيداً من الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي ما تزال تعمل في صالحه. فعلى المستوى المحلي، ما تزال كفة موازين القوى العسكرية تسير في صالحه، ليس بسبب تفوقه العسكري، فحسب، وإنما أيضا، بفضل التمزق السياسي الذي يسير الجناح العسكري للقوى المناوئة. فكما يبدو، ما تزال تلك القوى، ورغم شعار «إسقاط النظام» الذي تعمل تحت لوائه، غير متفقة، فيما بينها على الكثير من القضايا الأخرى، الأمر الذي من شأنها إضعاف هجماتها ضد نظام الأسد من جانب، ومده بالمزيد من الوقت كي يعيد ترتيب قواته، وهو ما يقوم به بشيء من الكفاءة غير المتوقعة، من جانب آخر. ومن المتوقع أن تستمر الحال على ما هي عليه في المستقبل القريب، ما لم تطرأ عوامل جديدة غير متوقعة، تغير من موازين القوى القائمة لصالح الطرف المناوئ للأسد، ومن ثم يشجعه على تصعيد، كما يقول تقرير «ديبكا فايل»، عملياته العسكرية. أما على المستوى الإقليمي، فباستثناء الكتلة العربية التي أبدت انحيازها الكامل لصالح القوى المعارضة لنظام الأسد، ما زال النظام ينعم بدعم قوى إقليمية لها تأثيرها في ساحة الصراع السورية، مثل إيران، بل وحتى «حزب الله» اللبناني. وعلى نحو مواز منهما: الكتلة العربية والإيرانية، هناك الجبهة التركية التي تتأرجح موقفها بين المناكفة المبطنة للنظام القائم، والمعاداة الخجولة له من جانب، ودعمها المعنوي للقوى المناهضة له من جانب آخر. كل ذلك يؤدي إلى إفساح المجال أمام الأسد، وهو ما يقوله تقرير «ديبكا فايل» كي يستفيد من الفراغات التي يفتحها هذا التباين في المواقف الإقليمية فينفذ منها لتحقيق مشروعه الذي يبقيه في السلطة، بعد أن يجرد خصومه من بعض مصادر القوة التي بحوزتها. وعند الوصول إلى المستوى الدولي، فما يزال الأسد يركن إلى تحالفه مع المحور الصيني – الروسي، الذي يمده بالأسلحة التي يحتاجها، سواء كانت تلك الأسلحة سياسية لتعزيز مواقعه في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، كي لا تتخذ عقوبات بحقه، تشل قدرته على الحركة، أو عسكرية تمكنه من تصعيد ضرباته العسكرية على الصعيدين الجغرافي، فيهاجم، على نحو متواز، أكثر من موقع وفي آن واحد للقوى المناوئة له، أو على المستوى العملياتي، فيطور من طبيعة الهجمات والأسلحة المستخدمة في شنها. ولعل الزج بسلاح الطيران، وعلى نحو واسع يعكس بعض جوانب هذه الاستراتيجية التصعيدية على المستويين الجغرافي والعملياتي. وهو أمر وردت الإشارة له في تقرير»ديبكا فايل».
كل ذلك، لا ينبغي أن يقودنا إلى نتيجة تلقائية ساذجة تقول بقدرة النظام على الصمود والاستمرار في الحكم بشكل مطلق، بقدر ما تكشف لنا بعض جوانب الخطة التي يمكن أن يلجأ لها النظام دفاعاً عن بقائه، والتي ليست بالضرورة قادرة على تحقيق ذلك بغض النظر عن نوايا النظام
فحوى ذلك الخبر «أن الرئيس السوري بشار الأسد أكد في اتصال هاتفي سري للكرملين يوم الأحد 1 يوليو الماضي أنه بحاجة إلى شهرين فقط لإنهاء التمرد ضد نظامه. وقال في اتصال سري بواسطة جسر تلفزيوني مع مسؤولين من المخابرات والخارجية الروسية لهم دور في وضع السياسات الروسية بشأن سوريا: «إن تكتيكاتي العسكرية الجديدة بدأت تعمل».
وترتكز تلك التكتيكات العسكرية على محورين أساسيين: أولهما «استبدال واسع لمعظم القادة العسكريين القدماء الذين قادوا الهجوم الدامي على المسلحين ومعارضي النظام على مدى 16 شهراً. بعد أن استنزفت رغبتهم في مواصلة القتال، «على أن يركز»القادة الجدد على الحد من الانشقاقات». وثانيهما «تسليح القادة الجدد بقوة نيران إضافية، أي دبابات إضافية ووحدات مدفعية، وقاذفات ومروحيات هجومية لتحطيم جيوب التسلح، وبصلاحيات غير محدودة لاستخدام القوة».
بغض النظر، صحت تسريبات الموقع الإسرائيلي أم أنها أخضعت «لتحسينات» إعلامية كي تخدم أهداف مشروعات إسرائيل تجاه المنطقة، تبقى مؤشرات سلوك نظام بشار الأسد منسجمة مع ما جاء في ذلك الخبر، وهي تمسكه بالسلطة، وعدم رغبته في تقديم تنازلات جوهرية تنقل الصراع مع من يعارضوه من المستوى الصدامي المسلح، إلى دائرة الحوار السياسي الباحث عن مخرج مشترك.
من يعرف جوهر السياسة الداخلية السورية الحالية التي تستند في جذورها إلى نظام حافظ الأسد الأب، بوسعه أن يرى أن جوهر ما جاء في ذلك التقرير، فيه بعض المؤشرات التي تستحق التوقف عندها، تدعمها الحقائق التالية:
1- تسلط الأقلية على الأغلبية، فرغم العنوان الذي يستخدمه النظام وهو «حزب البعث العربي الاشتراكي»، لكن مقاليد الحكم في يد الأقلية العلوية، مقابل أغلبيات أخرى، الأهم من بينها الطائفة السنية. وفي ظل الاستقطاب الطائفي الذي يسود المنطقة العربية، ومن بينها، بطبيعة الحال، سوريا، تطفو على السطح الخلافات الطائفية، المغلفة ببعض الشعارات القومية، أو المدنية. هذا الحكم الفئوي المتسلط، لا يجد أمامه من خيار آخر، يغطي به مخاوفه من الأغلبيات الأخرى، سوى القمع، والاستعانة بالأداة العسكرية لحسم الأمور لصالح تلك الأقلية، عند نشوب أي خلاف بينها وبين تلك الأغلبيات، وهو ما تشهده الساحة السورية منذ ما يقارب العامين. وهذا ما يجعل المتابع لتطوراتها يميل إلى القبول بما جاء في تقرير «ديبكا فايل» المشار إليه أعلاه.
2- ذهنية النظام القائمة على أسلوب القمع عند مواجهة أي تحرك شعبي، وهي خلفية تسود سلوك هذا النظام منذ أن تأسس إثر الحركة التصحيحية التي قادها حافظ الأسد «الأب»، ضد رفاقه من حزب «البعث العربي الاشتراكي» في نهاية الستينيات من القرن الماضي، ثم أعادها بشكل أكثر دموية في مطلع الثمانينيات في معالجة للاضطرابات التي عمت الشمال السوري، وفي المقدمة منه مدينتي حلب وحماة، حيث أرسلت القوات المسلحة كي تجتاح المدينتين والتنكيل بسكانهما، بل وحتى عدم التردد في إعادة هندسة تركيبتهما العمرانية والسكانية.
3- رفض التحالفات، ونبذ الحوارات، فهي مفردات غير موجودة في ذهنية الفئة من الطائفة العلوية التي تحكم سوريا اليوم، وربما نجد فيما كان يعرف باسم «الجبهة الوطنية التقدمية» التي وافق البعث على إقامتها بالتحالف مع الحزب الشيوعي السوري، وقوى سياسية أخرى، في أواخر السبعينيات من القرن الماضي شواهد كثيرة حية تثبت أن اللغة التي يعرفها القائمون على السلطة في دمشق اليوم، هي تبعية القوى السياسية الأخرى لهم، وقبولها بالسير في دبرهم، إن هي أرادت أن تنعم بحق ممارسة العمل السياسي.
تأسيساً على ذلك، لا نشك في أن يبادر الأسد بتصعيد عملياته العسكرية ضد مناوئيه، مستفيداً من الظروف المحلية والإقليمية والدولية التي ما تزال تعمل في صالحه. فعلى المستوى المحلي، ما تزال كفة موازين القوى العسكرية تسير في صالحه، ليس بسبب تفوقه العسكري، فحسب، وإنما أيضا، بفضل التمزق السياسي الذي يسير الجناح العسكري للقوى المناوئة. فكما يبدو، ما تزال تلك القوى، ورغم شعار «إسقاط النظام» الذي تعمل تحت لوائه، غير متفقة، فيما بينها على الكثير من القضايا الأخرى، الأمر الذي من شأنها إضعاف هجماتها ضد نظام الأسد من جانب، ومده بالمزيد من الوقت كي يعيد ترتيب قواته، وهو ما يقوم به بشيء من الكفاءة غير المتوقعة، من جانب آخر. ومن المتوقع أن تستمر الحال على ما هي عليه في المستقبل القريب، ما لم تطرأ عوامل جديدة غير متوقعة، تغير من موازين القوى القائمة لصالح الطرف المناوئ للأسد، ومن ثم يشجعه على تصعيد، كما يقول تقرير «ديبكا فايل»، عملياته العسكرية. أما على المستوى الإقليمي، فباستثناء الكتلة العربية التي أبدت انحيازها الكامل لصالح القوى المعارضة لنظام الأسد، ما زال النظام ينعم بدعم قوى إقليمية لها تأثيرها في ساحة الصراع السورية، مثل إيران، بل وحتى «حزب الله» اللبناني. وعلى نحو مواز منهما: الكتلة العربية والإيرانية، هناك الجبهة التركية التي تتأرجح موقفها بين المناكفة المبطنة للنظام القائم، والمعاداة الخجولة له من جانب، ودعمها المعنوي للقوى المناهضة له من جانب آخر. كل ذلك يؤدي إلى إفساح المجال أمام الأسد، وهو ما يقوله تقرير «ديبكا فايل» كي يستفيد من الفراغات التي يفتحها هذا التباين في المواقف الإقليمية فينفذ منها لتحقيق مشروعه الذي يبقيه في السلطة، بعد أن يجرد خصومه من بعض مصادر القوة التي بحوزتها. وعند الوصول إلى المستوى الدولي، فما يزال الأسد يركن إلى تحالفه مع المحور الصيني – الروسي، الذي يمده بالأسلحة التي يحتاجها، سواء كانت تلك الأسلحة سياسية لتعزيز مواقعه في المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة، كي لا تتخذ عقوبات بحقه، تشل قدرته على الحركة، أو عسكرية تمكنه من تصعيد ضرباته العسكرية على الصعيدين الجغرافي، فيهاجم، على نحو متواز، أكثر من موقع وفي آن واحد للقوى المناوئة له، أو على المستوى العملياتي، فيطور من طبيعة الهجمات والأسلحة المستخدمة في شنها. ولعل الزج بسلاح الطيران، وعلى نحو واسع يعكس بعض جوانب هذه الاستراتيجية التصعيدية على المستويين الجغرافي والعملياتي. وهو أمر وردت الإشارة له في تقرير»ديبكا فايل».
كل ذلك، لا ينبغي أن يقودنا إلى نتيجة تلقائية ساذجة تقول بقدرة النظام على الصمود والاستمرار في الحكم بشكل مطلق، بقدر ما تكشف لنا بعض جوانب الخطة التي يمكن أن يلجأ لها النظام دفاعاً عن بقائه، والتي ليست بالضرورة قادرة على تحقيق ذلك بغض النظر عن نوايا النظام