قبل أن أخوض في التفاصيل بشأن رد وزارة شؤون حقوق الإنسان المنشور في “الوطن” أمس الأول، سأضرب مثالاً فقط في التعامل مع الصحافة، وكيف يجب أن يكون.
بالأمس وتعليقاً على مقالي المعنون بـ«إلى متى السكوت على هؤلاء الوزراء والمسؤولين” تلقيت اتصالاً من مكتب صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله ورعاه، نقلوا لي تحيات سموه، وشكره على الانتقاد البناء الذي وجهته، أكرر هنا “شكر سموه على الانتقاد البناء”، وطلبوا بأن أبين لهم الملاحظات بتفاصيلها الدقيقة، أسماء الوزراء والمسؤولين الذين أعنيهم والأخطاء التي ارتكبوها، وما هي ملاحظاتي تجاه هذه الأمور.
فقط أورد هذا ليستوعب أي وزير أو مسؤول يضع الصحافة “عدوة له”، ولا يفرق بين نقدها الإيجابي لأجل صالح الوطن، ونقدها “التجريحي” المستهدف الشخص المسؤول، ليستوعب كيف يكون التعاطي مع الصحافة ومن أكبر مسؤولي البلد سمو رئيس الوزراء.
مللنا ونحن نقول لكثير من الوزراء والمسؤولين، لماذا لا تتعلمون من خليفة بن سلمان أصول التعامل مع الصحافة، ولماذا لا تحترمون النقد الموجه، والأهم لماذا تعجزون عن تمييز النقد البناء عن النقد لمجرد النقد؟!
أعود للتطرق لرد وزارة شؤون حقوق الإنسان والذي جاء بصيغة متشنجة واضحة، وكأنه بيان يرد على “أعداء” للوزارة، فقط لأنهم انتقدوا غياب الوزير في إجازة رسمية، في وقت نقترب من جلسة هامة جداً في جنيف، وفقط لأنهم طالبوا ببيان الجدية في الاستعدادات، حتى لا يتكرر ما حصل في الجلسة السابقة، والتي “سنجاملكم” أكبر مجاملة لو قلنا بأن أداء الوفد أو بالأحرى رئاسة الوفد التي تفردت بالحديث كان “ممتازاً”، إذ ما حصل كان مخيبا للآمال، وهذه الحقيقة التي يجب أن تتقبلوها.
تقول الوزارة في ردها الطويل بأن التقرير جاهز، وهنا نكرر قول بعض الزملاء بأنه إن كان التقرير “المحبوك” لهذه المرة جاهزاً فلماذا لا تنشرونه حتى تطمئنوا الناس بشأن استعدادكم، وحتى تبينوا بأن هناك بالفعل جهوداً مضنية تبذل -حتى لو كان المسؤول الأول في إجازة- تضمن إيصال الحقيقة الحاصلة بشأن حقوق الإنسان في البحرين للمستمعين في جلسة جنيف.
تطلب الوزارة “رص الصفوف” والذي فهم في بيانها بمعنى أن على الصحافة والنواب وغيرهم من فعاليات مجتمعية أن “تصمت”، وألا توجه “انتقادات”، في وقت تقول الوزارة بأنها ليست جهة الرد الوحيدة على ما يصدر من تقارير حقوقية، وأن هناك أطرافاً أخرى في الدولة تقع عليها المسؤولية، نجد أن الجلسة السابقة والتي شهدت تمثيلاً كبيراً لقطاعات الدولة لم تشهد إلا حديث مسؤول واحد فقط فيها، فأين دور الجهات الأخرى في الرد؟! هل وجودهم مجرد لزيادة حجم الوفد في الصور والتغطيات الإعلامية؟!
وبالحديث عن الخطة الإعلامية، وأن هناك تنسيقاً مع هيئة شؤون الإعلام في هذا الشأن، فإن هذا جهد طيب، لكن من باب أولى أن يكون هناك تنسيق مع الإعلام غير الرسمي، بالأخص الصحافة، بدلاً من محاربتها لأنها انتقدت الأداء، بحيث يكون هناك تواجد للصحافة، ومنحها حرية نقل تفاصيل الحدث، بعيداً عن إطار الإعلام الرسمي الذي سيركز على رئاسة الوفد والاجتماعات، وغيرها من الأمور التي تدخل في الإطار الرسمي.
في آخر فقرات الرد تقول الوزارة إن الصحافة تتصيد عليها “الهفوات”، بالتالي هي تعترف بنفسها بوجود “هفوات”، وهنا من المهم أن نذكر بأن وضع البحرين بالنسبة للخارج واستعراض الحقائق والمهمة الأكثر أهمية الملقاة على عاتق الوفد لا تستحمل أصلاً وجود “هفوات” من أي نوع كانت، يكفي “الهفوات” التي حصلت في أجهزة عديدة على رأسها الإعلام، والتي كانت سبباً في “تمييع” القضية البحرينية في الخارج، وعدم إبرازها بشكل صحيح إلا بمجهودات فردية، لا ترتقي لحراك فئات، كانت ومازالت وستظل، تستهدف البحرين بالأكاذيب والفبركات.
لا نريد منكم أي شيء سوى الاعتراف بوجود هذه “الهفوات”، وفي جانب آخر احترام الصحافة الوطنية التي تنتقد لأجل صالح الوطن، والتي -أي الصحافة الوطنية- كانت محور حديث جلالة الملك الأخير في جلسة مجلس الوزراء بتقدير دورها ومطالبتها بالمزيد من ممارسات النقد البناء ومساعدة الدولة على تصحيح الأخطاء.
لكنني هنا لن أعتبر رد الوزارة ذا النبرة القوية المتحدية والمتشنجة وفرد عضلاتها على الصحافة المحلية الوطنية على أنه “استعراض عضلات محلي”، بل سأعتبره -وقد أكون مخطأ جداً- عملية إحماء لأداء قوي في الجلسة القادمة في جنيف.
أتمنى أن يكون رد الوفد على الادعاءات وعلى الافتراءات في الجلسة، بنفس القوة التي ردت فيها الوزارة على الصحافة المحلية، وأتمنى أن يكون “فرد العضلات” هناك بشكل أكبر، عبر استعراض الأدلة والوثائق والخطوات التي تؤكد صحة موقف البحرين وتدافع عن الحقيقة، لأن الجلسة السابقة لم تشهد ردوداً قوية خاصة حينما احتاج الموقف لرد قوي، مثال ذلك رد الوزير بشأن ما فعلته رئيسة الجلسة، والذي خالف الأعراف الإجرائية، في وقت نهضت الدول الأخرى لتنتقد ما فعلته الرئاسة، ورئيس وفدنا يتعهد شخصياً بسلامة أفراد ليسوا أصلاً ملاحقين أمنياً وجنائياً، فقط لأنهم نجحوا في خداع رئاسة الجلسة، ومرروا فبركاتهم بسهولة، والكارثة كانت بعدم مواجهتهم برد قوي مفحم، وموثق بالأدلة والبراهين.
عموماً، ردنا هنا دفاعاً عن الصحافة الوطنية التي تهمها مصلحة الوطن، هذه المصلحة التي تعلي مقام الأشخاص والأفراد، فمن يخطئ أو يقوم بـ«هفوات” هو عرضة للنقد في عمله، والرقي في التعامل مع الصحافة ليس “خرافة” لا توجد، بل أعلى مسؤول في البلد يمارس هذا الأسلوب في التعامل الراقي مثلما بينا موقف سمو رئيس الوزراء من مقال الأمس الذي انتقدنا فيه وزراء ومسؤولون في الدولة.
خلاصة القول، أتمنى أن يكون أداؤكم بنفس قوة ردودكم على الصحافة الوطنية، المحك ليس هنا، بل هناك في جنيف وبعد أسبوعين من الآن. هناك الميدان يا حميدان، مع أمنياتنا بأن يكون قلق الناس المسبق مجرد “هواجس” تثبتون خطأها بأدائكم.
{{ article.visit_count }}
بالأمس وتعليقاً على مقالي المعنون بـ«إلى متى السكوت على هؤلاء الوزراء والمسؤولين” تلقيت اتصالاً من مكتب صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة حفظه الله ورعاه، نقلوا لي تحيات سموه، وشكره على الانتقاد البناء الذي وجهته، أكرر هنا “شكر سموه على الانتقاد البناء”، وطلبوا بأن أبين لهم الملاحظات بتفاصيلها الدقيقة، أسماء الوزراء والمسؤولين الذين أعنيهم والأخطاء التي ارتكبوها، وما هي ملاحظاتي تجاه هذه الأمور.
فقط أورد هذا ليستوعب أي وزير أو مسؤول يضع الصحافة “عدوة له”، ولا يفرق بين نقدها الإيجابي لأجل صالح الوطن، ونقدها “التجريحي” المستهدف الشخص المسؤول، ليستوعب كيف يكون التعاطي مع الصحافة ومن أكبر مسؤولي البلد سمو رئيس الوزراء.
مللنا ونحن نقول لكثير من الوزراء والمسؤولين، لماذا لا تتعلمون من خليفة بن سلمان أصول التعامل مع الصحافة، ولماذا لا تحترمون النقد الموجه، والأهم لماذا تعجزون عن تمييز النقد البناء عن النقد لمجرد النقد؟!
أعود للتطرق لرد وزارة شؤون حقوق الإنسان والذي جاء بصيغة متشنجة واضحة، وكأنه بيان يرد على “أعداء” للوزارة، فقط لأنهم انتقدوا غياب الوزير في إجازة رسمية، في وقت نقترب من جلسة هامة جداً في جنيف، وفقط لأنهم طالبوا ببيان الجدية في الاستعدادات، حتى لا يتكرر ما حصل في الجلسة السابقة، والتي “سنجاملكم” أكبر مجاملة لو قلنا بأن أداء الوفد أو بالأحرى رئاسة الوفد التي تفردت بالحديث كان “ممتازاً”، إذ ما حصل كان مخيبا للآمال، وهذه الحقيقة التي يجب أن تتقبلوها.
تقول الوزارة في ردها الطويل بأن التقرير جاهز، وهنا نكرر قول بعض الزملاء بأنه إن كان التقرير “المحبوك” لهذه المرة جاهزاً فلماذا لا تنشرونه حتى تطمئنوا الناس بشأن استعدادكم، وحتى تبينوا بأن هناك بالفعل جهوداً مضنية تبذل -حتى لو كان المسؤول الأول في إجازة- تضمن إيصال الحقيقة الحاصلة بشأن حقوق الإنسان في البحرين للمستمعين في جلسة جنيف.
تطلب الوزارة “رص الصفوف” والذي فهم في بيانها بمعنى أن على الصحافة والنواب وغيرهم من فعاليات مجتمعية أن “تصمت”، وألا توجه “انتقادات”، في وقت تقول الوزارة بأنها ليست جهة الرد الوحيدة على ما يصدر من تقارير حقوقية، وأن هناك أطرافاً أخرى في الدولة تقع عليها المسؤولية، نجد أن الجلسة السابقة والتي شهدت تمثيلاً كبيراً لقطاعات الدولة لم تشهد إلا حديث مسؤول واحد فقط فيها، فأين دور الجهات الأخرى في الرد؟! هل وجودهم مجرد لزيادة حجم الوفد في الصور والتغطيات الإعلامية؟!
وبالحديث عن الخطة الإعلامية، وأن هناك تنسيقاً مع هيئة شؤون الإعلام في هذا الشأن، فإن هذا جهد طيب، لكن من باب أولى أن يكون هناك تنسيق مع الإعلام غير الرسمي، بالأخص الصحافة، بدلاً من محاربتها لأنها انتقدت الأداء، بحيث يكون هناك تواجد للصحافة، ومنحها حرية نقل تفاصيل الحدث، بعيداً عن إطار الإعلام الرسمي الذي سيركز على رئاسة الوفد والاجتماعات، وغيرها من الأمور التي تدخل في الإطار الرسمي.
في آخر فقرات الرد تقول الوزارة إن الصحافة تتصيد عليها “الهفوات”، بالتالي هي تعترف بنفسها بوجود “هفوات”، وهنا من المهم أن نذكر بأن وضع البحرين بالنسبة للخارج واستعراض الحقائق والمهمة الأكثر أهمية الملقاة على عاتق الوفد لا تستحمل أصلاً وجود “هفوات” من أي نوع كانت، يكفي “الهفوات” التي حصلت في أجهزة عديدة على رأسها الإعلام، والتي كانت سبباً في “تمييع” القضية البحرينية في الخارج، وعدم إبرازها بشكل صحيح إلا بمجهودات فردية، لا ترتقي لحراك فئات، كانت ومازالت وستظل، تستهدف البحرين بالأكاذيب والفبركات.
لا نريد منكم أي شيء سوى الاعتراف بوجود هذه “الهفوات”، وفي جانب آخر احترام الصحافة الوطنية التي تنتقد لأجل صالح الوطن، والتي -أي الصحافة الوطنية- كانت محور حديث جلالة الملك الأخير في جلسة مجلس الوزراء بتقدير دورها ومطالبتها بالمزيد من ممارسات النقد البناء ومساعدة الدولة على تصحيح الأخطاء.
لكنني هنا لن أعتبر رد الوزارة ذا النبرة القوية المتحدية والمتشنجة وفرد عضلاتها على الصحافة المحلية الوطنية على أنه “استعراض عضلات محلي”، بل سأعتبره -وقد أكون مخطأ جداً- عملية إحماء لأداء قوي في الجلسة القادمة في جنيف.
أتمنى أن يكون رد الوفد على الادعاءات وعلى الافتراءات في الجلسة، بنفس القوة التي ردت فيها الوزارة على الصحافة المحلية، وأتمنى أن يكون “فرد العضلات” هناك بشكل أكبر، عبر استعراض الأدلة والوثائق والخطوات التي تؤكد صحة موقف البحرين وتدافع عن الحقيقة، لأن الجلسة السابقة لم تشهد ردوداً قوية خاصة حينما احتاج الموقف لرد قوي، مثال ذلك رد الوزير بشأن ما فعلته رئيسة الجلسة، والذي خالف الأعراف الإجرائية، في وقت نهضت الدول الأخرى لتنتقد ما فعلته الرئاسة، ورئيس وفدنا يتعهد شخصياً بسلامة أفراد ليسوا أصلاً ملاحقين أمنياً وجنائياً، فقط لأنهم نجحوا في خداع رئاسة الجلسة، ومرروا فبركاتهم بسهولة، والكارثة كانت بعدم مواجهتهم برد قوي مفحم، وموثق بالأدلة والبراهين.
عموماً، ردنا هنا دفاعاً عن الصحافة الوطنية التي تهمها مصلحة الوطن، هذه المصلحة التي تعلي مقام الأشخاص والأفراد، فمن يخطئ أو يقوم بـ«هفوات” هو عرضة للنقد في عمله، والرقي في التعامل مع الصحافة ليس “خرافة” لا توجد، بل أعلى مسؤول في البلد يمارس هذا الأسلوب في التعامل الراقي مثلما بينا موقف سمو رئيس الوزراء من مقال الأمس الذي انتقدنا فيه وزراء ومسؤولون في الدولة.
خلاصة القول، أتمنى أن يكون أداؤكم بنفس قوة ردودكم على الصحافة الوطنية، المحك ليس هنا، بل هناك في جنيف وبعد أسبوعين من الآن. هناك الميدان يا حميدان، مع أمنياتنا بأن يكون قلق الناس المسبق مجرد “هواجس” تثبتون خطأها بأدائكم.