الوضع في البحرين يحتاج لحسم، يحتاج لوضع النقاط على الحروف، إذ المزيد من ترك الحبل على الغارب، والمزيد من القبول بالانفلات، سيدفعنا لخلع صفة دولة المؤسسات والقانون واعتبارها مجرد “دعابة” كلامية تطلق هكذا لـ “التخدير” كونها ليست صفة واقعية أبداً.
واقع الحال يثبت بأننا في دولة لا قانون فيها ولا مؤسسات إلا بالشعارات، والدليل أن من يمارس هواية الإرهاب والتحريض والتخريب “يرتع ويمرح” دون حتى مساءلة، ومن خططوا للانقلاب ومن قاموا بجرائم لم تطبق بحقهم أحكام القضاء ولم يفعل فيهم القانون، بل هي تمديدات واستثناءات واستئنافات والمسألة تمضي لـ«تطول وتطول”، وبعدها -وسأذكركم- إفراجات لانقضاء مدة الحكم بالنظرة لمدة التوقيف على ذمة القضية، أو لحسن السيرة والسلوك! والله كل شيء يجوز في البلد، ولا تلومنا على ما نقول، فما نراه يدفع الناس لتوقع مالا يتوقع.
مازالت الدولة عبر مؤسساتها الرسمية في موقع “المبرر” وفي موقع “المدافع”، وكأنها هي “المتهمة” وأن العالم والمجتمع الدولي عبر أطراف فيه “قضاة” لابد وأن تبرئ البحرين ساحتها أمامهم، نفعل ذلك عوضاً عن أن تقوم الدولة بدورها في تثبيت دعائم الأمن وتطبيق القانون في الداخل. التجارب يا جماعة أثبتت بأن هناك أطرافاً لن تقف مع البحرين أو أي نظام آخر حتى لو علموا بأن البحرين ظلمت بافتراءات وأكاذيب، هو “هوس” التخندق مع كيانات ذات مسميات تناهض الأنظمة مثل “معارضة” و«حقوقيين” وغيرها، باعتبار أن النظام دائماً على خطأ وأن من يناهضه ويحاربه على الصواب بغض النظر عن دوافعه الحقيقية وبغض النظر عما يفعله من جرائم.
الانشغال بالخارج جعل الدولة تدفع ضريبة كبيرة في الداخل، الإرهاب والتحريض مازالا مستمرين، واستنزاف خزينة الدولة من أموال لتصليح المرافق العامة التي طالها التخريب مستمر، والأخطر أن هناك شرخاً كبيراً في نفوس الفئات المخلصة بسببه اهتزت الثقة في قدرة الدولة على حمايتهم كأفراد تداعوا للدفاع عنها وقت الشدة، إضافة للقناعة بأنها -أي الدولة- غير قادرة على إعادة الوضع لما كان عليه في السابق إلا عبر “مساومة” الانقلابيين وتمهيد الدرب لهم للتراجع عما يخططون له ومنحهم بعض المزايا والمكاسب، وكل هذه الأمور وغيرها لن تحصل إلا على حساب المخلصين الذين تحولوا اليوم للأسف إلى “مؤزمين” ورافضين للحوار و«متشددين”.
عموماً، إن كنا بالفعل في دولة مؤسسات وقانون، فإننا نريد إثباتاً لذلك، بالتالي طبقوا القانون، أثبتوا لنا بأن الجميع سواسية أمام هذا القانون، وبأنه ليس هناك أفراد معينون لديهم حصانة من القانون، رغم أننا نرى العكس.
الغريب أننا كنا طوال سنوات وعقود ننتقد وندين ونشجب الممارسات التي تتم بالاستناد على “الواسطة” و«المحسوبية”، ونطالب بأن يكون الجميع سواسية وسواء في القيام بواجباتهم تجاه الدولة إضافة لمحاسبتهم بغض النظر عن انتماءاتهم وعوائلهم ومذاهبهم ومناصبهم، واليوم نفاجأ بأن للتحريض أيضاً مقامات، هناك من يقبض عليه ويحاسب بالقانون، وهناك من يترك ليفعل ما يشاء حتى لو حرض على القتل مباشرة، فأين دولة المؤسسات والقانون؟!
الجمعيات الانقلابية “استحلت” اللعبة فباتت مسألة تسيير المسيرات وإقامة التظاهرات هواية أسبوعية، الأحسن أن تكون “بلا ترخيص”، بل الأفضل أن يسبقها إعلان للداخلية تقول فيه بأن المسيرة “غير مرخصة” حتى تقام بقوة مع تبييت النية لافتعال مصادمات وأعمال تخريب في “تحد سافر” للقانون، منبعه الإدراك والقناعة بأن المعالجة ورد الفعل لن تزيد عن بيان صحفي يستنكر ويحمل المنظمين المسؤولية، ثم استدعاء -هذا إن تم- للمنظمين لا ندري ماذا يدور فيه، لكننا نعلم بأنه لا يتضمن نتائج مؤثرة لأن السيناريو يتكرر ويعود مرة إثر مرة، فأين دولة المؤسسات والقانون؟!
سأصدق بأننا دولة مؤسسات وقانون حينما يطبق القانون بالفعل على الجميع دون استثناء، وإن كان من تطبيق على المخلصين بحجة أن بعضهم ارتكب أخطاء وتجاوز صلاحياتهم فهذا أمر مقبول باعتبار أن الدولة لا تقبل بالتجاوزات أو الأخطاء، لكن قبلها -ومن باب أولى- أن يطبق القانون على من “داس القانون” برجليه، ومن حارب الدولة ومن سعى للانقلاب على نظامها وفي سبيل ذلك ارتكب أشنع وأبشع الجرائم. طبقوا عليهم القانون، إن كنا بالفعل في دولة مؤسسات وقانون!