نتحدث عما يقارب 52 رجل أمن يتعرضون شهرياً لاعتداءات إرهابية منذ فبراير 2011 وحتى اليوم، إذا كان إجمالي المتضررين من الإرهاب يتجاوز الألف.
طبعاً الرقم مرتفع للغاية، ولا يعد مؤشراً إيجابياً بقدر ما هو سلبي. ولكنه يعطينا جملة من المؤشرات:
المؤشر الأول: أن هناك عمليات إرهابية يتعرض لها رجال الأمن بشكل يومي، وقد يكون على مدار الساعة.
المؤشر الثاني: القوانين الوطنية لم تساهم في حماية رجال الأمن كثيراً، وإن كانت قد خففت بعد التعديلات الأخيرة على قانون العقوبات حدة المخاوف من عدم مواكبتها للتطورات الأمنية.
المؤشر الثالث: القضاء مازال بعيداً عن التفاعل مع الهجمات الإرهابية التي يتعرض لها رجال الأمن، فرغم الاعتداءات التي تتم بشكل يومي، والضحايا من رجال الأمن تجاوزا الألف، إلا أنه من غير المعروف عدد الذين تم القبض عليهم من الإرهابيين والمتورطين في هذه المسائل.
أيضاً يرتبط بالمؤشر نفسه، أن القضاء المحلي مازال غير قادر على تطوير آلية سريعة مرنة تضمن سرعة إصدار الأحكام القضائية، على غرار ما قامت به بعض الدول عندما أدركت إمكانية تضرر هيبة الدولة وسيادتها بالأعمال الإرهابية، فقامت بعقد محاكمات على مدار الساعة وكانت الأحكام تصدر خلال 24 ساعة إن لم تكن أقل كما هو الحال في التجربة البريطانية.
المؤشر الرابع: يقوم على فرضية وجود أطراف أخرى ينبغي أن تدخل ضمن منظومة المحاسبة القضائية من قبل مؤسسات الدولة. فليس مطلوباً فقط محاسبة الأطفال والشباب الذين تورطوا في أعمال الإرهاب فحسب، بل هناك دوائر أخرى مسؤولة عن تورطهم. ومثال ذلك أولياء الأمور الذين يجب أن تنالهم المحاسبة والعقاب على عدم رعايتهم أبنائهم، وتركهم عرضة للتحريض المسيّس باسم الدين أو باسم الحقوق أو باسم الطائفة.. إلخ. كذلك من الدوائر التي يجب استهدافها رجال الدين وبعض السياسيين الذين كان لهم الدور الأكبر في استمرار مثل هذه الأعمال الإرهابية.
بدون محاسبة هذه الأطراف، فإن النتيجة واحدة، استمرار الأعمال الإرهابية، وذهاب مئات أخرى من رجال الأمن ضحايا لها. وفي النهاية لن يتحقق الهدف، فلن يتمكن رجال الأمن من الحفاظ على الأمن والاستقرار، ولن يحقق الإرهابيون أهدافهم أبداً.
حتى تحفظ الدولة هيبتها وسيادتها عليها إدراك أن الأمن منظومة جماعية تشترك فيها عدة أطراف ومؤسسات، وكذلك الحال بالنسبة لتحدياتها التي ينبغي مواجهتها بشكل جماعي أيضاً.
والأهم من ذلك كله، أهمية الانتباه إلى الثقافة الوطنية التي يجب إعادة تشكيلها، فليس منطقياً اعتقال المتورطين في الإرهاب ومحاكمتهم، ومن ثم معاقبتهم بالحبس لفترة، ومن ثم إطلاق سراحهم، نحتاج إلى مركز وطني لإعادة تأهيل المتورطين في الإرهاب، بحيث يقوم بمهمة تغيير الفكر والثقافة التي يحملونها إلى فكر مختلف تماماً، وثمة تجارب خليجية وأخرى دولية يمكن الاستفادة منها.