المؤتمر الصحافي الذي أقامته الكتل البرلمانية بالأمس يحتاج إلى وقفات عدة، فمثل هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً مقارنة بتسارع الأحداث في البلاد، وهذا لا يعني عدم التحرك المتأخر، فالتحرك على كافة الصعد مطلوب لإيقاف التدخلات الأجنبية سواءً كانت من قبل واشنطن أو طهران. طوال الفترة الماضية، وتحديداً منذ بداية الأزمة وحتى الأمس كانت ردود أفعال النواب وأدوارهم تعتمد بشكل رئيس على إصدار البيانات والتصريحات، فضلاً عن المشاركة المحدودة في بعض الفعاليات الجماهيرية التي تمت لإبراز مواقف معينة ضد من يحاول التدخل في الشأن المحلي باسم أي شعار كان. المواطنون لاحظوا أن السلطة التشريعية بغرفتيها المجلس النيابي مع مجلس الشورى لم يكن لها دور بارز في الأزمة التي تشهدها البحرين، والمسألة هنا لا تتعلق بوقت ذروة الأزمة في فبراير ـ مارس 2011، وإنما حتى بعدها باستثناء دورهم في المشاركة في حوار التوافق الوطني صيف العام الماضي، أو دورهم في إقرار التعديلات الدستورية المطلوبة وفقاً لهذا الحوار. تطلعات المواطنين أكبر من ذلك بكثير، فهم عندما يسمعون أو يرون أو يقرأون تصريحات السفير الأمريكي مثلاً بشأن الأوضاع الداخلية للبلاد، أو حتى الزيارات المكوكية التي يقوم بها بعض دبلوماسيي البيت الأبيض بين وقت وآخر وما ينتج عنها، يتفاعلون -أي المواطنون- مع مثل هذه التصريحات أو الأحداث دون أن يروا ردود أفعال أو حتى مبادرات من ممثليهم الذين انتخبوهم ويفترض أن يقوموا بدور لافت لتحقيق تطلعات المواطنين. ومثل هذا الحال ينطبق على السفير الأمريكي الحالي في المنامة توماس كراجيسكي الذي لم يقم النواب بأي دور لاستيعاب أو احتواء اتجاهات الرأي العام البحريني بشأنه سواءً قبل التعيين أو بعده. قد تكون الحكومة في وضع محرج عندما يتعلق الأمر بقبول اعتماد السفير الأمريكي في ذلك الوقت، رغم حالة الصدمة التي ولدها قبول مثل هذا التعيين لدى العواصم الخليجية المجاورة بسبب سمعته ودوره في إعادة هندسة النظام العراقي الحالي الذي تسيطر على تفاعلاته طهران. ولكن المسألة لا تقف عند مثل هذا الحرج بل ينبغي أن يكون هناك دور حازم ذو مغزى للنواب الذين يجب أن يواجهوا الضغوطات الشعبية بكل شجاعة ومسؤولية ويكون لهم موقف واضح تجاه التدخلات الأمريكية من خلال سفير واشنطن في المنامة. لنتذكر ما قاله كراجيسكي خلال العام 2011 أثناء جلسة الاستماع التي أقامها الكونغرس الأمريكي حتى يُقبل تعيينه سفيراً لواشنطن في العاصمة البحرينية: “الاعتقالات والمواجهة بالقوة من قبل النظام البحريني ستؤدي إلى القضاء على أية حلول سياسية”، مؤكداً أنه سيحض الحكومة البحرينية على استمرار الحوار الوطني لكنه سيراقب سيرها في هذا المجال. أيضاً أكد السفير في ذات الجلسة اهتمامه بالعمل مع المنظمات الحقوقية المدنية البحرينية، وحرصه على تدعيم عمل نشاطات برنامج الشراكة مع الشرق الأوسط (مي بي) في البحرين، وهو البرنامج الذي موّلت فيه الإدارة الأمريكية مؤسسات المجتمع المدني للقيام بحركة الاحتجاج مطلع العام المنصرم. الآن الكتل البرلمانية تطالب بتغيير السفير الأمريكي لتدخله في الشؤون الداخلية للمملكة، وتقرن ذلك بمساءلة وزير الخارجية في حالة عدم اتخاذه أية إجراءات ضد مثل هذه التدخلات. وأعتقد من هنا يبدأ الدور المطلوب من النواب، فمسؤوليتهم المتعلقة بالعلاقات الخارجية تقتضي الحفاظ على العلاقات البحرينية ـ الأمريكية بشكل متوازن قائم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، بدلاً من أن تقوم على الانحياز التام للمعارضة الراديكالية. ليتذكر النواب جيداً أن نواب الكونغرس الأمريكي هم الذين فرضوا حظراً اقتصادياً عسكرياً على المنامة بشأن صفقات السلاح في الوقت الذي كانت فيه واشنطن تعتبر البحرين دولة حليفة من خارج منظومة الناتو خلال حكم الرئيس السابق جورج بوش في تناقض صارخ لمعايير السياسة الخارجية الأمريكية. لا أعتقد أن البحرين بحاجة إلى سفير أمريكي من نوع السفير الحالي لأنها حريصة -كما واشنطن- على مصالح العلاقات البحرينية ـ الأمريكية. وإذا كانت هناك عقبات تقف أمام تطوير هذه العلاقات فقد حان الوقت لإزالة مثل هذه العقبات.