ليل الخميس الماضي، أصدر البيت الأبيض بياناً مفاده بأن الولايات المتحدة تعرب عن “قلقها” بشأن اكتشاف معمل لخلط المواد المتفجرة في البحرين، كان سيستخدم “إنتاجه” في عمليات إرهابية.
هذا “القلق” وهذا “البيان” كان سيلقى تفاعلاً كبيراً لدى الشارع البحريني “المخلص” بناء على رد الفعل الصادر من “الأصدقاء” الأمريكيين الذي تضمنه، فقط لو كان هذا الفعل صادراً في الأساس حينما كانت البحرين “تعاني” من الإرهاب خلال محاولة الانقلاب، كان سيلقى صدى قوياً لو كان امتداداً لمواقف وأفعال واضحة وصريحة تتضح في كل بيان وتصريح صادر من قبل “البيت الأبيض” خاصة وأن الأخير شهد إعلان واشنطن الشهير بإطلاق “الحرب على الإرهاب”.
هذا القلق وهذا البيان يأتي اليوم بلا طعم ولا رائحة ولا لون، فالأصدقاء الأمريكان عودوا العالم منذ زمن طويل وحتى اليوم على مطالعته بوجوه مختلفة ومتعددة، عودوا الدول التي تدخل معهم في شراكات واتفاقيات وتعاونات والتي يطلق عليها مسمى “دول صديقة” عودوها على “توقع غير المتوقع” من الصديق.
بالتالي حينما تأتي واشنطن اليوم لتقول لنا كبحرينيين بأنها “قلقة” من العنف والإرهاب، ماذا تتوقع منا في المقابل؟! هل نقول لها “شكراً ما قصرتوا”؟!
نتحدث عن دولة عظمى هنا، نتحدث عن أقوى جهاز استخباراتي على وجه هذا الكوكب، بل نتحدث عمن بيده تغيير واقع دول بالقوة وفي مدى زمني قصير، ولا حتى الأمم المتحدة وعصبتها يمكنها ثني واشنطن عما تريد فعله.
بناء على كل ذلك وغيره من مقومات القوة والسيادة و«الذكاء الاستخباراتي” حينما تأتي واشنطن لتتحدث عن البحرين وكأن مسؤوليها “يجهلون” حقيقة ما يحصل فيها، وكأنهم لا يعرفون بأن ما حصل فيها “حراك طائفي عنصري تقسيمي” واضح وضوح الشمس، وكأنهم لا يعرفون بأن هناك “طوابير خامسة” موالية لإيران تتحرك داخل بلدنا، وكأنهم لا يعرفون بأن أمن الأبرياء استهدف وبأن مرافق حيوية احتلت ومورست فيها العنصرية بشكل فاضح وصارخ، وكأنهم لا يعرفون بأن رجال أمن دهسوا حتى الموت وبأنهم يُستهدفون كل يوم بالمولوتوفات والأسلحة المصنعة لأغراض إرهابية، حينما “توهمنا” واشنطن بكل ذلك، نستغرب بالضرورة ونظن لوهلة بأننا نتحدث عن دولة أخرى، دولة من العالم الثالث، دولة “فهمها السياسي بطيء” أو ملاحظتها “ضعيفة”، أو كيان يمكن أن يستغل ويمرر على أنفه أي كذب أو تلفيق، لا دولة هي تمثل القوة العالمية الأولى في كل شيء.
الخطاب الأمريكي “المزدوج” يفترض أن يكون الشعار الذي يرفعه البيت الأبيض اليوم وبشكل واضح.
لماذا المناورات يا أصدقاءنا الأعزاء، لماذا تقابلون المسؤولين بوجه وتقابلون مناهضي الأنظمة بوجه آخر؟! لماذا تدعون الحرص على استقرار الدول بينما أنتم من يحرك عناصر التأزيم بداخلها ويقدم له كل الدعم وقبله التخطيط الاستراتيجي؟!
السفير الأمريكي في البحرين يعلم تماماً ماذا يحصل لدينا، حتى قبل أن يعين فيها كسفير تحدث في الكونجرس وكأنه أحد قادة عملية الانقلاب، يعرف تماماً من هم عناصر التأزيم ومن هم الانقلابيون، ومن لهم ارتباط بإيران، بل يعرف تماماً العناصر التي تم إدخالها في البرامج الأمريكية والذين تم إعدادهم للقيام بأدوار مشابهة لما فعله بعضهم في الأزمة التي شهدتها البحرين، ورغم ذلك يكابر السفير ويتحدث وكأنه “آخر من يعلم” ويتهم المخلصين لوطنهم من البحرينيين باتهامات التأزيم وغيرها، بينما هو “الغريب غير الأديب” في بلدنا الذي يحتضن المؤزمين ويتحول لمدافع عنهم.
المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فكتوريا نولاند قالت في البيان الأخير “إننا نشيد بجهود حكومة البحرين لتصديها للإرهاب وما قامت به من تحقيق اتسم بالحرفية لتجنيب البلاد خطراً شديداً”. طيب، سفيركم لدينا ماذا يقول؟! بل هل يعرف بأن هناك إرهاباً على الأرض؟! أم هو ناجح في القول فقط بأنه يقرأ الانتقادات التي توجه له؟! طيب حتى بشأن المسألة الأخيرة لماذا لا يجيب عن التساؤلات إذن، أم أنه يفضل فتح آذانه لمن يجتمع بهم سراً ويخطط معهم ويواصل معهم نفس السيناريو الذي فضحته وثائق “الويكليكس”؟!
عن المضبوطات من متفجرات ومواد إرهابية مصنعة تقول نولاند في البيان: “لا يوجد أي مبرر للاحتفاظ بتلك المواد التي يمكن أن تسفر عن وقوع أعداد كبيرة من الضحايا وتصعد التوترات في البلاد”، وهنا يمكن اقتراح أن تسلم المضبوطات لسفيركم لدينا، إذ بناء على قوة معلوماته وبناء على تفوق “الاستخبارات الأمريكية” يمكن إعادة هذه المواد التي لا مبرر للاحتفاظ بها إلى أصحابها. لا تقنعوننا بأن واشنطن بجلالة قدرها لا تعرف من يقوم بهذه الأفعال ومن يوجه الإرهاب لدينا ومن يمولهم؟!
عموماً، أحببنا هنا فقط تقديم الواجب بشأن البيان الأخير الذي يدين الإرهاب “الواضح” على الأرض، بالتالي نقول للحليفة الصديقة: “شكرا ما قصرتوا على القلق”!