يعتبر الكُرد أو الأكراد إحدى أكبر القوميات المبعثرة على ظهر البسيطة والتي لا يجمعها دولة أو كيان سياسي موحد، وهناك كثير من الجدل حول نشأتهم وتأريخهم ومستقبلهم السياسي، وقد ارتفعت وتيرة هذا الجدل التاريخي بعد أن ترجل فرسان أولاد العم سام من فوق صهوات الدبابات معلنين احتلال العراق بمباركة دولية صامتة.

يتوزع الكُرد في أكثر من بلد؛ إلا أن السواد الأعظم منهم يقطن مناطق متجاورة تتوزع بين تركيا (20% من سكان تركيا) وإيران (6% من سكان إيران) والعراق (حوالي 10% من سكان العراق) وسوريا (حوالي 8% من سكان سوريا)، وهناك أعداد لا بأس بها في جهات العالم الأربعة اكتسب جزء كبير منهم جوازات سفر غربية.

كُرد تركيا وإيران ينتهج قسم كبير منهم الكفاح المسلح منذ عقود للحصول على حقوقهم القومية ويتمثل ذلك بحزب العمال الكردستاني (pkk) المتمركز في جبال قنديل ومقاتلي الباجاك من أكراد إيران وغيرهم من المنظمات الأصغر حجماً وتأثيراً، ولا تجد كردياً واحداً صادقاً مع

نفسه يتمنى أن يبقى تحت سلطة تركيا أو إيران بسبب ممارسات النظامين التطهير العرقي الهادئ، إضافة إلى حرب ممنهجة لطمس الثقافة والتاريخ الكردي والدفع بالكُرد للذوبان بين باقي الأطياف التي تكوّن البلدين.

أما الكُرد في سوريا فقد تنفسوا الصعداء مع انطلاق الثورة السورية المباركة على النظام البعثي الأسدي بعد أن منحهم النظام المتداعي بعض المكاسب السياسية لتجنب التحاقهم بركب الثورة، وأُشيعت أخبار كاذبة حول تطهير عرقي للكُرد في حال انهيار نظام بشار والتي روجت لها الماكينة الإعلامية الأسدية مما ساهم في عدم الانخراط الكامل للمكون الكُردي في صفوف الثوار.

في العراق نجح الكُرد بعد رحلة طويلة من الانتصار والانكسار للوصول إلى أعلى سلم السلطة بمباركة أمريكية وجدت فيهم حليفاً مأمون الجانب وورقة ضغط يمكن التلويح بها أكثر من مرة وفي أكثر من اتجاه.

الحلم الكُردي هو دولة تضم شتاتهم بعد اقتطاع مساحات تواجدهم من البلدان الأربعة، تكون عاصمتها مدينة أربيل في شمال العراق المنفصل إدارياً ومالياً وسياسياً بسبب ضعف الدولة المركزية والدعم الأمريكي الذي يعتبر بمثابة مكافأة للقيادات الكُردية التي ساعدت في غزو العراق عام 2003.

كُرد العراق الذين جعلوا من شمال العراق وإقليم كردستان ملجأ آمناً لحركات انفصالية كردية من تركيا وإيران وسوريا لايزال أماهم معركة مصيرية وهي الحصول على كركوك، المدينة التي تعوم على بحر من النفط، والتي يطلقون عليها (أورشليم كردستان) في أدبيات نضالهم القومي، وأعتقد أنه في ظل ضعف النظام المركزي العراقي وتصاعد الدعم الأمريكي ستذهب مدينة كركوك العربية إلى أحضان الدولة (الحُلم) عاجلاً أم آجلا بعد الاتفاق على حجم الحصص النفطية، مما سيدفع باتجاه إعلان الانفصال على لسان مهندس الحُلم الكردي مسعود البارزاني، زعيم إقليم كُردستان والمتهم بالمسؤولية عن كثير من المجازر التي ارتكبتها مليشاته المعروفة بـ(البشمركة) بحق القبائل العربية في شمال العراق.

مسعود البارزاني الذي تسوقه ماكينة إعلامية كُردية مدعومة بشكل جيد على أنه زعيم كُرد العالم؛ شخصية قومية متعصبة لا يتردد في التلويح بورقة الانفصال عند كل أزمة سياسية تمر ببلاد ما بين النهرين.

إذاً كل الظروف مؤاتية وبشكل كبير لإعلان نواة الدولة الكردية، والتي ستقتصر مساحتها في مرحلتها الأولى، بحسب الحُلم البرزاني، على إقليم كُردستان ومناطق تواجد الأكراد في سوريا، وهي خطوة قرأتها أنقرة بذكاء استباقي، فضغطت بقوة على أن يتولى عبدالباسط سيدا المعارض الكردي المعروف رئاسة المجلس الوطني السوري، وذلك لإفشال الحلم البارزاني وإشعار الكُرد السوريين بالقوة في سوريا ما بعد الأسد، وإيجاد زعيم كردي ثان أكثر قرباً من أنقرة مما يسهم في إشعال صراع الزعامات الكردية، لاسيما وأن كُرد سوريا متخوفون من أن الدعم التركي للمجلس الوطني السوري سيكون على حسابهم مستقبلاً، خصوصاً وأن تركيا حاربت المكون الكُردي التركي بشراسة لعقود، ويتهمها كُرد العالم بقتل مليون ونصف مليون كردي وتدمير 3000 قرية كردية وتشريد ما يقارب 335 ألف كردي من ديارهم، حسب مذكرات جواهر لال نهرو.

كُرد سوريا ببساطة فرس الرهان لإقامة الحُلم الكردي الذي لن يكون سهلاً مع وجود تركيا وإيران، لكن كُرد العراق اليوم قوة سياسية وعسكرية لا يستهان بها ناهيك عن تحالفاتهم الدولية والتي تتقدمها أمريكا.

مع ذلك لا يتمتع الكُرد عبر العصور بتحالفات طويلة الأمد، وهذا ما تثبته مقولة مشهورة للزعيم الكردي مصطفى البارزاني “ليس للكُرد أصدقاء حقيقيون”.