عندما تشاهد فيلماً لمخرج كستانلي كوبريك، فحتماً ستخرج برسالة أو بفكرة، وهذه القيمة في ما وصل إليه من مجد برفقة المخرجين العظام، والحال مشابه تماماً لمخرج بطولة الأمم الأوروبية، الفيلم الذي أشرفت على إخراجه شخصيات كثيرة، من مدربين وجماهير ولاعبين وكونوا بذلك الصورة الأجمل في شكل العمل. التحدي والتنافسية كانت إحدى أهم الخصال التي تميزت بها البطولة، وبالفعل ما يستغرب منه هو منتخبات كالسويد وأيرلندا، ولعلي أكثر المعجبين بمنتخب أيرلندا ككيان رياضي «جمهور ومنتخب» بثوب المدرب القدير جيوفاني تراباتوني، لأنه بنى فريقاً مبادؤه أخلاقية احترافية متماسكة وقوية جداً، ففي آخر مباريات المجموعة ووصول المنتخب للقناعة المؤكدة بأنه من مغادري البطولة بات ينافس ويقاتل المنتخب الإيطالي المتقدم عليه بهدفين للاشيء، بالإضافة إلى السويد التي خرجت من البطولة بهزيمتين صعقت لوران بلان بهذا الأداء المبهر بقيادة نجمه إبراهيموفيتش ومع جمهور مهيب ليس له من الفضاء مثيل، فمع كل ذلك لازالت هذه المنتخبات تصارع حتى الرمق الأخير، إنها الاحترافية الأخلاقية، وتقديس أخلاقيات المهنة، شتان ما بين لاعب يصارع لأجل أجره، وآخر يتحدى أخلاقياته ليصل إلى مرحلة أسمى من ذلك! بعيداً عن التكتيك ومعارك الخطط الفنية، أود أن أسجل توقيع إعجابي باللجنة التنظيمية، وسأتأثر فعلاً لو شاهدت العرض الختامي لما قبل المباراة، فكيف ستمر الأيام القادمة من دون العروض البسيطة الرمزية الرائعة التي رسمت الابتسامة على العجوز والفرحة على الأطفال، عندما أقول أعجبتني فلا أقصد أن الكماليات والملابس وطريقة الرقص واللبس هي من جذبت مشاعري نحوها، بل تكوينية شخصية اللجنة التنظيمية وبناؤها ذو الأسس السهلة السليمة المتوازنة وبذلك تأكيد حضورها بالمباراة بشكل ملفت، فأكدت لجنة التنظيم في هذا اليورو أنها لجنة حقيقية وليست وهمية، أي نشاهد أعضائها في المقابلات فقط، بل نشاهدها ونذكرها حتى في وسط زحام أحداث المباريات، لم تكن بالفعل لجنة بقدر ما كانت شخصية قوية مؤثرة سأفتقدها شخصياً مع مرور قادم الأيام. ودعنا اليورو ولكننا لن نودع دروسه، عندما تكون «موجوداً» فأنت أمام خيارين، إما أن تكون خالداً أم أنك تكون غائباً مع مضي الأيام، يورو هذا العام خلّد نفسه بمجموعة كثيفة من الدروس والعبر والأخلاقيات والقيم، وهذا هو قلب ما أقصده بأول فقرة بالرسالة وتداعيات العمل الفني الذي اختزلته بالفيلم السينمائي، الرسالة التي احتوت كل معالم الجمال الغير ملموس في البطولة في حديقة ظاهرها وفي نهل خفائها.