من منا لا يتذكر وعيد رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني الذي قال فيه “إذا سقطت سوريا اليوم يعني سقوط الكويت غداً”، وما تبعه من تصريحات استفزازية تجاه الشعب الكويتي حينما زعم أن “نصفه موال للولي الفقيه”.
من أي ذاكرة سقط تهديده “باستحالة عرقلة طموحات إيران السفلى من قبل دول الخليج العربي، لكي لا يضطر بمقامه لحسر العرب حول مكة”، ولا أدري من أي مكب جنون يأتي بتصريحاته.
تلك التصريحات تفرض عليها الحذر، فلا يجب أن يحذر أحدنا من العقلاء، بقدر خوفه من المجانين، لاسيما إن كانوا يمثلون إيران.
بذكاء أو بدهاء أكدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون في وقت ليس ببعيد على حتمية سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكلنا يعلم أن أمريكا لا تزج بنفسها في تصريحات اعتباطية أو قائمة على التخمين، وأن لعبة الشطرنج قد تغيرت قوانينها هذه المرة، فأصبح من الممكن أن يسقط «الشاه» بكافة الطرق غير المحتملة والمنافية لقوانين اللعبة الأصلية.
إن أمريكا لديها من القواعد الاستخباراتية ما يمنحها ثقل التعاطي مع الأحداث والتصريح بما شاءت منها، وفق المشاهد السياسية والكيفية التي ترتئيها ملائمة لإدارة المواقف.
وعندما نتحدث عن قرب سقوط نظام الأسد، لابد من الوقوف عند تبعات هذا السقوط على إيران، ولكي لا تهوي عروش الأخيرة، فإنها ستفعل المستحيل إما للحفاظ على النظام السوري القائم، وإما انتقاماً لسقوطه، وحفاظاً على مصالحها في المنطقة، الأمر الذي يبرر تصريحات لاريجاني التي تشير إلى إيقاظ “الخلايا النائمة” في الكويت، ويتبعها البحرين وبقية دول الخليج.
ربما من الغباء أن ننظر في هذه المرحلة للمشهد العربي وخصوصاً سوريا بعين الآمن المطمئن، فما ستتمخض عنه تطورات سوريا، سيل سيجرف الخليج لا محالة، وقد تتلاحق الأحداث سريعاً فلا تترك لنا متسعاً لشهيق واحد إلا بزفير دول وأرواح.
بشار الأسد انتهى من مرحلة الهيمنة والصعود السياسي، وقد هوى في مكب السقوط الإنساني، وغرق في قذاراته إلى ما لا نهاية، ولم يعد لديه ما يخسره، ما جعله يفقه ويطبق نظرية ستالين -أكبر طاغية عرفه التاريخ- مبكراً فاستمتع بالموت، عندما أصبح مسألة إحصائية حصد الآلاف، بدلاً من أن يكون تراجيدياً لصفته الفردية أو مساحته الضيقة.
يمكننا القول إنَّ بشار أداة من أدوات إيران، المستقلة نسبياً بذاتها، المنصهرة في آنٍ واحد في بوتقة العربدة السياسية الإيرانية، إذاً فلإيران أدوات أخرى وظفتها في كافة دول العالم وخصوصاً في الخليج العربي، وقد ساعدت حكومات المنطقة على ذلك، ولكننا لن نفتح الملفات القديمة الآن، فأمامنا منزلق خطير لابد أن نواجهه جميعاً بدراية وحكمة ووعي وحذر، وليس ثمة وقت إضافي لمزيد من البله السياسي في المستقبل.
من المؤسف أن تتعامل الحكومات مع مثل هذه التوقعات المريبة والتي من شأنها أن تهدد أمن الخليج العربي، بل وتقلبه على عقبيه بصمتها المعهود، وأن تكممه بديباجة تكتيم إعلامي، وتوجيه لغير محل. وربما أصبح حرياً بنا في هذه المرحلة الحرجة ألاَّ نكتفي بدور المتفرج السلبي، فيما نملك من عناصر القوة، ما يجعلنا ننهض بأوطاننا من جديد، ونجابه ما يواجهها من أخطار كما فعلنا كقوة شعبية في وقت قريب مضى، وما أسهم في تثبيت دعائم النظام القائم الذي أرجو ألا يهمشنا في عملية سياسية، أصبحنا فيها الشريك، خروجاً من منهج الراعي والرعية، فالرعية حامية للراعي، وحامية قبل ذلك كله لأرض الوطن المعطاء.
الشعب الذي جابه أزمة 2011 قادر على مجابهة المزيد، بمزيد من الإصرار والتحدي، وكثير من الوعي والحذر، وبزاد وفير من الاستعداد، (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم).
عندما ظهرت أزمة البحرين، ربما لا يمكننا نكران العمل المنظم من قبل المعارضة، فلم لا نكون أكثر تنظيماً وكفانا ركضاً وراء الكراسي؟ فإن ماتت البحرين، لن يسمن فيها كرسي ولن يغني من جوع، وإن عاشت فجائعها بخير، من الله وحده، وأما المسؤولين فلن يؤتوا أحداً زكاة الأمن والاستقرار يوماً.