تستطيع «الوفاق» أن تؤكد كما تشاء، أنها مجبرة ولا خيار لها سوى العنف، وأنها لم تعد أصلاً مسيطرة على الشارع، وأن الذين يحرقون البلد هم حركة شباب غير حزبيين ولا مسيسين، وكل مظاهر العنف التي تحدث ارتجالية ودفاعية.. تستطيع أن تقول إن اليأس من عملية الإصلاح هو ما دفع إلى فوضى 2011، والمستمرة بشكل أو بآخر ليومنا هذا.. يستطيع زعيمها أن يحجم الأصوات المتململة الساخطة من داخل المجتمع الشيعي، التي تعبر عما أصاب الطائفة الشيعية الكريمة من عزلة وأضرار معنوية ومادية وضحايا، بسبب نظريات غير معقولة وتصرفات عشوائية.
لكننا نعلم أن «الوفاق» أهدرت فرصها، وبالغت في لي ذراع الدولة، لتحصل في أيام على كل ما وعدت به الطائفة خلال عقود.. وكذلك وضعت الشارع في امتحان الفزعة المرير، بالتلويح بضياع الحقوق وإبادة الطائفة، ودماء الشهداء، والحرب التاريخية المقدسة، بين معسكري الحق والباطل، وشبهت موقفها من الصراع، كموقف الحسين في كربلاء، وموقف الفلسطينيين أمام الصهاينة، ونجحت في استدراج جمهورها، لتقديم التضحيات على أساس أنهم يعيشون «حالة كربلاء»، أو يدافعون عن أرض الأنبياء.
لكن رغم ذلك، لم تنجح «الوفاق» في خلق واقع «ثورة شعبية»، لأنها لم تهتم باستمالة شرائح أخرى، عدا الطائفة، ربما لأنها لم ترد أن يشاركها أحد الغنائم، أو لأنها فشلت حتى بخداع الناس، والظهور بمظهر الوطني، أو لأنها تعلم أن وقت الجد لن تنساق كل أجزاء الكتلة الوطنية المفترضة، لفتوى من آية الله عيسى قاسم.. هي أرادتها طائفية خالصة.. الحراك لايزال طائفياً رغم ظهور قوى أخرى لها جماهيرية متنامية، تتقاطع مع «الوفاق» في العديد من المطالب والرؤى.. وهذه حالة استثنائية فالمفروض أن يحدث اندماج ولو وقتي من أجل مصلحة مشتركة.. فهل هي الطائفية أم حقائق أخرى؟
المسار الذي اختارت «الوفاق» انتهاجه وحرض عليه كبار رجال الدين التابعين للولي الفقية، وعلى رأسهم عيسى قاسم، يمكن تشبيهه بدواء مر، قد يكون لازماً أحياناً، لكن الجرعة الزائدة منه تقتل، وهذا ما تسبب فيه العنف الأعمى المفرط.. عزلة وفقدان لسمات الحراك السلمي، والدخول في دور ملاحقات مع الأمن.. فيلم أكشن لا ينتهي و»الوفاق» أدرى بأن إشعال الإطارات كل يوم في كل الشوارع لن يحقق مبتغاها، بل صار مسؤولية روتينية لدى الأمن وموارد الأمن لن تستنزف.
وبالنسبة لنا مازلنا نوقف سياراتنا في زحام الشارع، ننتظر وصول رجال الداخلية، لإزالة الإطارات والقنابل.. ونتلقى تساؤلات أطفالنا البريئة، عما يسمعونه هنا وهناك.. «ماما هل هؤلاء الشيعة؟».. ونرد عليهم «لا يا ماما ليسوا الشيعة بل هم مجرمون، ومن يحرق بلده مجرم، وكل الناس من كل مذهب أو ديانة فيهم الطيب والسيئ».. نبرر لأنفسنا ولأبنائنا وللعالم أن حالة الوطن الواحد لاتزال موجودة بيننا، وداخل نفوسنا، لكنها على أرض الواقع معتمة ومشوشة، بسبب تصرفات جماعة بعينها.
الكيان «الوفاقي» قائم فقط على فزعة مذهبية، لو ذهبت ما عاد لـ «الوفاق» وجود.. والناس وراء «الوفاق» يرون في العبث الحاصل فرصة لو ضاعت فإنهم سيبادون دون رحمة.. ولن يتمكنوا من تحصيل حق أو أن تقوم لهم قائمة بعدها.. هم يظنون أن خياراتهم إما الاستمرار في إحداث الفوضى ودعمها، أو التسليم بضياع الحقوق.. و»الوفاق» التي ربت جمهورها على أن الثورة هي المنهج والغاية والوسيلة والخيار الأوحد، لو أرادت اليوم أن تقنع الناس بأن القبول بإصلاحات تدريجية والعودة للحياة السياسية لصالح الطائفة والوطن فإنهم لن يقتنعوا.. لأنهم جربوا مرارة الصراع، وتواجهوا بالفعل مع «الحكومة الظالمة» التي «تعتقل وتقتل وتعذب» على حد زعمهم.. إذن لا مفر أمام «الوفاق» ولا جمهورها إلا أن يستمر الصراع -غير المجدي- إلى مالا نهاية.. مع تطعيمه أحياناً بالدخول إلى نطاقات محرمة، مثل المحرق والمناطق الأخرى المختلطة.. والتهجم على الآخر واستفزازه.. بقصص الحسين ويزيد، والمعارضين في سن الحضانة الذين «تخشاهم» الحكومة، على حد زعمهم.
لا الحقوق صارت فعلاً على طاولة بحث.. ولا المتعدون على الحقوق حوسبوا.. والمال العام لايزال يبعثر.. والأوضاع المرفوضة كما هي.. والمعارضة صارت ألف معارضة.. ولكل معارضة معارضة.. والمتشددون الذين لم يكن لهم صوت سادوا.. والمولوتوف والإطارات لن يسقطا حكماً، بل ضحايا شيعة وسنة.. أتمنى على عاقل واحد أن يخبرني بنهاية هذه الهلوسة السياسية التي نعيشها.
{{ article.visit_count }}
لكننا نعلم أن «الوفاق» أهدرت فرصها، وبالغت في لي ذراع الدولة، لتحصل في أيام على كل ما وعدت به الطائفة خلال عقود.. وكذلك وضعت الشارع في امتحان الفزعة المرير، بالتلويح بضياع الحقوق وإبادة الطائفة، ودماء الشهداء، والحرب التاريخية المقدسة، بين معسكري الحق والباطل، وشبهت موقفها من الصراع، كموقف الحسين في كربلاء، وموقف الفلسطينيين أمام الصهاينة، ونجحت في استدراج جمهورها، لتقديم التضحيات على أساس أنهم يعيشون «حالة كربلاء»، أو يدافعون عن أرض الأنبياء.
لكن رغم ذلك، لم تنجح «الوفاق» في خلق واقع «ثورة شعبية»، لأنها لم تهتم باستمالة شرائح أخرى، عدا الطائفة، ربما لأنها لم ترد أن يشاركها أحد الغنائم، أو لأنها فشلت حتى بخداع الناس، والظهور بمظهر الوطني، أو لأنها تعلم أن وقت الجد لن تنساق كل أجزاء الكتلة الوطنية المفترضة، لفتوى من آية الله عيسى قاسم.. هي أرادتها طائفية خالصة.. الحراك لايزال طائفياً رغم ظهور قوى أخرى لها جماهيرية متنامية، تتقاطع مع «الوفاق» في العديد من المطالب والرؤى.. وهذه حالة استثنائية فالمفروض أن يحدث اندماج ولو وقتي من أجل مصلحة مشتركة.. فهل هي الطائفية أم حقائق أخرى؟
المسار الذي اختارت «الوفاق» انتهاجه وحرض عليه كبار رجال الدين التابعين للولي الفقية، وعلى رأسهم عيسى قاسم، يمكن تشبيهه بدواء مر، قد يكون لازماً أحياناً، لكن الجرعة الزائدة منه تقتل، وهذا ما تسبب فيه العنف الأعمى المفرط.. عزلة وفقدان لسمات الحراك السلمي، والدخول في دور ملاحقات مع الأمن.. فيلم أكشن لا ينتهي و»الوفاق» أدرى بأن إشعال الإطارات كل يوم في كل الشوارع لن يحقق مبتغاها، بل صار مسؤولية روتينية لدى الأمن وموارد الأمن لن تستنزف.
وبالنسبة لنا مازلنا نوقف سياراتنا في زحام الشارع، ننتظر وصول رجال الداخلية، لإزالة الإطارات والقنابل.. ونتلقى تساؤلات أطفالنا البريئة، عما يسمعونه هنا وهناك.. «ماما هل هؤلاء الشيعة؟».. ونرد عليهم «لا يا ماما ليسوا الشيعة بل هم مجرمون، ومن يحرق بلده مجرم، وكل الناس من كل مذهب أو ديانة فيهم الطيب والسيئ».. نبرر لأنفسنا ولأبنائنا وللعالم أن حالة الوطن الواحد لاتزال موجودة بيننا، وداخل نفوسنا، لكنها على أرض الواقع معتمة ومشوشة، بسبب تصرفات جماعة بعينها.
الكيان «الوفاقي» قائم فقط على فزعة مذهبية، لو ذهبت ما عاد لـ «الوفاق» وجود.. والناس وراء «الوفاق» يرون في العبث الحاصل فرصة لو ضاعت فإنهم سيبادون دون رحمة.. ولن يتمكنوا من تحصيل حق أو أن تقوم لهم قائمة بعدها.. هم يظنون أن خياراتهم إما الاستمرار في إحداث الفوضى ودعمها، أو التسليم بضياع الحقوق.. و»الوفاق» التي ربت جمهورها على أن الثورة هي المنهج والغاية والوسيلة والخيار الأوحد، لو أرادت اليوم أن تقنع الناس بأن القبول بإصلاحات تدريجية والعودة للحياة السياسية لصالح الطائفة والوطن فإنهم لن يقتنعوا.. لأنهم جربوا مرارة الصراع، وتواجهوا بالفعل مع «الحكومة الظالمة» التي «تعتقل وتقتل وتعذب» على حد زعمهم.. إذن لا مفر أمام «الوفاق» ولا جمهورها إلا أن يستمر الصراع -غير المجدي- إلى مالا نهاية.. مع تطعيمه أحياناً بالدخول إلى نطاقات محرمة، مثل المحرق والمناطق الأخرى المختلطة.. والتهجم على الآخر واستفزازه.. بقصص الحسين ويزيد، والمعارضين في سن الحضانة الذين «تخشاهم» الحكومة، على حد زعمهم.
لا الحقوق صارت فعلاً على طاولة بحث.. ولا المتعدون على الحقوق حوسبوا.. والمال العام لايزال يبعثر.. والأوضاع المرفوضة كما هي.. والمعارضة صارت ألف معارضة.. ولكل معارضة معارضة.. والمتشددون الذين لم يكن لهم صوت سادوا.. والمولوتوف والإطارات لن يسقطا حكماً، بل ضحايا شيعة وسنة.. أتمنى على عاقل واحد أن يخبرني بنهاية هذه الهلوسة السياسية التي نعيشها.