أتصوّر أن المؤسّسة البحرينية للمصالحة والحوار المدني تستطيع، إن تيسّرت لها الإمكانات، أن تمضي بإصرارٍ وعناد باتجاه لمّ الشمل الوطني والقضاء على النزعات الطائفية، ومن ثم سوف تتمكّن من تربية جيلٍ جديدٍ من البحرينيين، المراهقين والشباب، الذين عقدوا العزم على المضيِّ قدماً، بعيداً عن التصنيفات البغيضة، وارتأوا أن يتفرغوا لخدمة هذا الوطن، بمعزلٍ عن الأجندات التي لا تبتغي لأبناء الشعب خيراً، بل تتربّص وتتأبط بهم شراً.
وللأسف، ثمة كثيرون ممن لايزالون يعتقدون أن هذه المؤسّسة التي بادر بتأسيسها السيد سُهيل القُصيبي، مخصّصة لخدمة أهداف نخبة معينة في المجتمع، لكنها في الواقع، كأيِّ مؤسسة أهليّة أخرى، تتطلّع لتوحيد الرؤى المختلفة، وتقريب المسافات بين الأطراف المتباينة الأفكار والمقاصد، وذلك بهدف تبليط أرضيّة سياسيّة مشتركة يمكن على أساسها إطلاق حوار جاد بين الدولة والمعارضة بشأن القضايا السياسية الملحّة التي تهمّ الطرفين، وبما يخدم الوطن. إن ملامح الجيل الجديد الذي تأمل المؤسسة في تكوينه يفترض أن تتشكّل في خضّم الصراعات السياسية القائمة في هذه اللحظات التاريخية العصيبة، والتي يُفترض، مهما كبُرت وتفاقمت، ألاّ تحيد ببوصلة التغيير المناهض للفرقة والفتنة التي تهدِّد السلم الأهلي في غمده. والسبب، على ما أعتقد، أننا اليوم جميعاً مهدّدون في تماسكنا ووحدتنا الوطنية التي تربّينا عليها طوال السنوات الماضية، فكل منا صار ينظر بعين الريبة إلى الآخر علّه يصطاد منه كلمةً أو تعليقاً عرضياً أو ابتسامةً ماكرةً يستطيع عبره تثبيت تهم معينة عليه دون أيِّ أدنى دليل ملموس!
وعليه، تتلخّص مهمة هذه المؤسسة، فيما أراه، في العمل بهمةٍ وعزيمةٍ منقطعة النظير، باتجاه تعريف الجيل الجديد بالتاريخ الكفاحي للآباء والأجداد، وكيف أنهم ضحّوا في سبيل بناء وطنٍ تتضافر جهود أبنائه على الوفاء والإخلاص، ويبقى نسيجه الاجتماعي قوياً بقوّة صحيفة الفولاذ، ويختلف في ربوعه الناس لكنهم لا يسمحون للاختلاف أن يُفسد الود بينهم، ويقطع حبال المودة التي تجمعهم على مرّ السنين، فكلنا فداء لهذا الوطن، وهكذا سنظلّ على العهد ثابتين!