كثر التآويل وطالت التحاليل فيما تم هدمه من كبائن وعشش أو منشأة دينية أو غيرها من الأبنية غير المرخصة وغير القانونية، والتي تنقصها وثائق ومستندات الملكية والثبوتية، كما هو الحال عندما يتحول إجراء تصحيحي من قبل الدولة لهدم ما تم بناؤه على أرض مغتصبة وغير مملوكة لأصحاب الشأن، فتقوم الوفاق بمراجعها وقنواتها وصحيفتها بتغليط الدولة وادعاء المظلومية والتضييق وغيرها من أوصاف ليس لها في الأصل دليل، ولا يشرعها قانون بدائي أو حضاري ولا شرع سماوي ولا مبدأ أرضي، وها نحن اليوم نقرأ تقريراً آخر لرجل الدين بشار العالي يقول فيه “إن عدم وجود وثائق ملكية لعدد من المساجد المهدمة خلال فترة السلامة الوطنية ليست مشكلة الأوقاف بل هي مشكلة الجهة التي أهملت توثيق وتسجيل الكثير من دور العبادة”، وإن تمحصنا في هذا التعبير سنجده اعتراف رجل دين وإقراراً أن هذه المنشآت ليس لها في الأصل تسجيل ولا توثيق، مما يبطل المطالبة بملكيتها أو بنائها، وأن الاستشهاد في كل مرة بأن مرجع هذه الدور هو دفتر “السيد عدنان”، فإنه مع احترامنا لدفتر السيد إلا أن الجهاز الرسمي المسؤول عن التوثيق والتمليك هي الجهة الرسمية التي تعتمد سجلاتها، وإلا عمّت الفوضى وادعى كل داعٍ أن هذه الأرض مكتوبة ومسجلة في دفتر والده أو عمه، وبعدها تنسب الأراضي والمنشآت والمحطات على أساس قيدها في دفتر العائلة أو دفتر السيد مضحي أو السيد رفيع.
إن عملية انتشار الأضرحة والمزارات ليست عملية اعتباطية؛ وإنما مخططة ومدروسة بعناية وكفاية لمقاصد فئوية سياسية، وعلى سبيل المثال نذكر ما يسمى “مسجد الكويكبات” وكيف تم إنشاؤه، حيث كان مجرد تلة ولزمن قريب على شارع توبلي، فنصب عليها علم ثم حطبة ثم حصى، ثم تمددت وحتى كتب عليها لوحة باسم “مسجد الكويكبات”، مسجد بلا ساحة ولا منارة ولم يرفع فيه أذان ولم تقم فيه صلاة بشهادة عيوننا والمشاهدين والمارين، وبعد أن تم إزالة هذه التلة في حملة إزالة المباني المخالفة، قام بعض الأشخاص بمد مساحته أضعاف مضاعفة، وهي أرض حكومية تم تسويرها من قبل وزارة الإسكان لإقامة مشروع توبلي الإسكاني، لكن مع الأسف يتكرر الشيء نفسه حين تترك هذه المساحة المسورة بالحصى خارج أرض المشروع، مما يدل أن التساهل لا زال موجوداً في هذه المؤسسات الحكومية وليس فقط الوزارة، فالمؤسسات الحكومية ذات العلاقة، هي مؤسسات تدار فيها لعبة وتحقيق مصالح وأهداف ذات أبعاد سياسية، وتسرب المعلومات عن الأراضي وملاكها لغرض سياسي أو مصلحة شخصية أو خطة استهدافية مستقبلية، ودليل على هذا ما حصل أثناء المؤامرة الانقلابية من تسريب معلومات ووثائق.
لنرجع لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قياس المسائل، ومنها مسألة الأرض المغصوبة الذي يقول “لا يصح لأحد من الناس أن يغتصب ملك الآخرين ويقيم عليه مسجداً، فإن الله طيب ولا يقبل إلا طيباً، واغتصاب الأرض حرام شرعاً، وقد نص الفقهاء أن المكان يصير مسجداً إذا قال مالكه اتخذته مسجداً، ولا بد حينئذ من الملكية الصحيحة لمكان المسجد وقت إقامته لاتخاذه مسجداً، لأنه بهذا يصير وقفاً، ومن شروط صحة الوقف ونفاذه باتفاق الفقهاء أن يكون الموقوف ملكاً للواقف وقت الوقف، وأما عن الصلاة في هذا المسجد إذا كانت أرضه مغتصبه، فقد نقل عن النووي أن الصلاة في الأرض المغتصبة حرام بالإجماع، وأن هذا التحريم شامل لكل مسجد ودار لأي طائفة أو ملة، وما أحسن من التأمل في آية الله الفاصلة بين الحق والباطل في قوله سبحانه وتعالى “لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ”.
فالمسألة شرعية قانونية، بأن كل ما يتم بناؤه دون شهادة ملكية هو ملك باطل، أياً كان نوع الدار عبادة أو سكناً، فاتقوا الله قبل أن تلاقوه، وعلى كل مسؤول في الدولة أن يراعي الأمانة ويصونها، وأن لا تدخل مصالح فئوية أو سياسية في مد كهرباء أو خطوط اتصالات، أو تصريح دون اكتمال الوثائق القانونية، وإنها لجريمة وأكبر من جريمة عندما يكون جزاء اقتطاع شبر، كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم “مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ” وهذا كتاب الله وهذه سنة نبيه شاملة كاملة تبطل كل دفتر وتاريخ ما لم يتم ختمه بختم الملكية الرسمي للدولة