عندما ساند شعب البحرين المشروع الإصلاحي لعاهل البلاد قبل نحو 12 عاماً كانت لديهم تطلعات في مختلف المجالات، وخاصة مجال المشاركة السياسية والتحول الديمقراطي، وكان من بينها أيضاً مسألة محاربة الفساد باعتباره قائماً على مبدأ سيادة القانون. وفي ضوء ذلك التوجه أنشئ ديوان الرقابة المالية وتم تطويره لاحقاً ليشمل أيضاً الرقابة الإدارية حسبما نص عليه ميثاق العمل الوطني. ومع ذلك ظلت قضية الفساد المالي والإداري سارية ضمن أجندات الرأي العام البحريني. المعادلة في أي إصلاح سياسي أن هناك علاقة طردية بين الإصلاح السياسي ومحاربة الفساد الإداري والمالي، ولكن هذه المعادلة لم تتحقق خلال مرحلة التحول الديمقراطي الماضية لأسباب عدة معروفة في مقدمتها جمود بعض النخب السياسية، بالإضافة إلى غياب ثقافة سيادة القانون الكفيلة بمنع الفرد من الفساد بأنواعه، فضلاً عن عدم تفعيل العديد من الآليات والمؤسسات المستحدثة لمحاربة الفساد، وتفعيل سيادة القانون. من المفارقات هنا وجود الإرادة السياسية الواضحة لدى القيادة السياسية لمحاربة الفساد وتفعيل حكم القانون، ويمكن ملاحظة ذلك في خطاب العاهل مرات عدة، وتوجيهات رئاسة الوزراء في مناسبات كثيرة مثلما يتم بعد صدور تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، إضافة إلى جهود سمو ولي العهد لتحقيق ذلك ضمن رؤية أشمل. المشكلة قد تنحصر بشكل رئيس في النخب الإدارية التي تدير تفاعلات القطاعين العام والخاص وحتى القطاع الأهلي عندما لا تشعر أو تتجاهل أهمية محاربة الفساد المالي والإداري، ولذلك صرنا نسمع كثيراً قصصاً وأحداثاً لا تنتهي عن تجاوزات إدارية ومالية في العديد من المؤسسات تحتاج للوقوف عندها وإيقافها عند حدها دون تهاون. أهمية هذه المسألة -محاربة الفساد المالي والإداري- لا تقتصر على كيفية الحفاظ على المال العام، أو ضبط إنتاجية القطاعات المختلفة بقدر ما تتعلق بهيبة الدولة والحفاظ على سيادتها وقوتها أمام التحديات الداخلية. فإذا كنا نتحدث عن أزمة عصفت بالبلاد مطلع العام المنصرم، فإن هناك أزمات أخرى ينبغي الالتفات لها لأن تأثيرها يمكن أن يكون أكبر بكثير من تلك الأزمة التي مرّت على البلاد مؤخراً. حتى نستوعب الفكرة المطروحة هنا فلنفترض أن الدولة استطاعت إنهاء تداعيات الأزمة السياسية أخيراً، فإن التحدي الجديد سيظل مستمراً ويتعلق بقدرة الدولة على معالجة مختلف أزماتها ومن بينها أزمة استشراء الفساد في بعض المؤسسات التي تحتاج تدخلاً عاجلاً وسريعاً. بعد آخر في القضية يرتبط بمعادلة محاربة الفساد والتحول الديمقراطي، وهو دور السلطة التشريعية التي تملك الصلاحيات الدستورية للرقابة السياسية أكثر مما تمتلكها مؤسسات أخرى مثل السلطتين التنفيذية أو حتى القضائية، مازال دور سلطة البرلمان ضعيفاً ومحدوداً لمحاربة الفساد، وليس مقبولاً من النواب الذين يمثلون الشعب التعذر بأسباب تتعلق بالصلاحيات أو تدخل بعض الشخصيات في نشاطهم كما يتردد بين وقت وآخر. فالصلاحيات المطلوبة نالوها خلال التعديلات الدستورية وتضاعفت مسؤوليتهم أكثر فأكثر، ولا يوجد مبرر للتخاذل عن محاربة الفساد في مختلف صوره وتجاوزاته. محاربة الفساد مؤلمة طبعاً ولكنها ضرورية لصالح الدولة البحرينية التي تتطلع فيه قيادتها وشعبها لمحاربته منذ 12 عاماً، ولسنا بحاجة لسنوات أخرى حتى نقول إن الدولة بمؤسساتها استطاعت تجاوز هذه المرحلة. الحاجة هنا تتعلق بوعي أكبر ومسؤولية أعلى وجهود أوضح، فالمسؤولية مشتركة وليس مقبولاً أيضاً تقاذف التهم بين طرف وآخر بقدر تحقيق هذا الهدف الذي توافق عليه الشعب والقيادة في ميثاق العمل الوطني.